فساد ضد مجهول
حسن الشوبكي
جو 24 : ورد في الأخبار أن محكمة إسرائيلية دانت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، ومعه 17 آخرين، بفضيحة رشى كبرى قدمها مطورو مشروع عقاري ضخم باسم "هولي لاند" في القدس المحتلة، إبان رئاسة أولمرت لبلدية المدينة. وهي ملاحقة تحت عنوان مالي واقتصادي، قابلتها أخبار سياسية من باكستان بأن الرئيس السابق برويز مشرف، يواجه تهما بالخيانة بسبب إيقافه العمل بالدستور، وفرض حالة الطوارئ قبل سبعة أعوام.
نجم الرجلين برز في العقد الماضي بحجم الأدوار التي لعباها داخليا وخارجيا. لكنهما لم ينجوا من القضاء. بما يؤكد للرأي العام في إسرائيل وباكستان أن المسؤول مهما كبر حجمه، فإنه ليس محصنا، وسيحاسب على خطئه ولو بعد حين.
أما لدينا، فالجرائم تسجل ضد مجهول. فلم أسمع أن رئيس وزراء عوقب على تهم تتعلق بالفساد خلال العقد المنصرم، رغم أنه عقد شهد تحولات دراماتيكية في سياق فساد مسؤولين. وقد تصاعدت اتهامات الشارع في هذا السياق لتبلغ أوجها في احتجاجات الحراك، ولسان حالها أن الفساد الذي ترعرع في دهاليز الحكومات وأروقة الشركات المساهمة العامة الكبرى، تسبب لاحقا في إفقار الأردنيين، في موازاة غياب المحاكمة لكل من تسبب في هذا المشهد.
يلفت الانتباه في تقرير لجنة "تقييم التخاصية" الذي أُعلن أول من أمس، أن عوائد التخاصية حُولت إلى صندوق بقيمة 1763 مليون دينار، وأنه تم استخدام معظم هذه العوائد في سداد ومبادلة وإعادة هيكلة ديون الحكومة، وبما مجموعه 1562 مليون دينار، فيما بقي نحو 200 مليون دينار استخدمت في تمويل المشاريع التنموية، ومنها برنامج التحول الاقتصادي الاجتماعي، بحجم 40 مليون دينار. والمفارقة أن هذا الإنفاق (200 مليون دينار) لم يعد بالجدوى الاجتماعية والاقتصادية.
ويسجل لتقرير لجنة تقييم التخاصية رصده افتقار صندوق التخاصية إلى التوثيق السليم والمنظم، علاوة على انعدام دراسات الجدوى لاستخدام هذه العوائد بالشكل الأمثل. وصحيح أن لجنة تقييم التخاصية ليست ضابطة عدلية، لكن المأمول أن لا تقيد الأخطاء (بل الجرائم) بحق الشعب الأردني وحقوقه ضد مجهول، وأن يتحرك القضاء من أجل ملاحقة كل من قصر أو نفذ فعلا فاسدا من المسؤولين.
ويحق للشارع أن يعزو تضخم المديونية إلى استمرار الفساد. فوصول المديونية إلى مستويات شاهقة، يعني بالضرورة أن ثمة إنفاقا منفلتا، يتسبب في استمرار الضغط على تفاصيل الحياة الاقتصادية بغية تسديد فوائد هذه الديون، وذلك عبر توسيع نطاق الضريبة، وما يلحق به من رفع لأسعار الخدمات والسلع.
بالمناسبة، كل المسؤولين الذين شاركوا في الفشل عندما كانوا على كراسي المسؤولية، يلعنون اليوم أداء الحكومات التي جاءت من بعد حكمهم "النزيه"، وسط اتساع هوامش المزايدات التي لا تنتهي. ويبقى للأردنيين التأمل من حولهم، وأن يتوبوا عن إلصاق التهم ضد مسؤوليهم؛ إذ لا يوجد في البلاد فساد ولا ما يحزنون، وكل ما ارتكب خلال العقود الماضية قيّد اليوم ضد مجهول.
hassan–shobaki@
(الغد)
نجم الرجلين برز في العقد الماضي بحجم الأدوار التي لعباها داخليا وخارجيا. لكنهما لم ينجوا من القضاء. بما يؤكد للرأي العام في إسرائيل وباكستان أن المسؤول مهما كبر حجمه، فإنه ليس محصنا، وسيحاسب على خطئه ولو بعد حين.
أما لدينا، فالجرائم تسجل ضد مجهول. فلم أسمع أن رئيس وزراء عوقب على تهم تتعلق بالفساد خلال العقد المنصرم، رغم أنه عقد شهد تحولات دراماتيكية في سياق فساد مسؤولين. وقد تصاعدت اتهامات الشارع في هذا السياق لتبلغ أوجها في احتجاجات الحراك، ولسان حالها أن الفساد الذي ترعرع في دهاليز الحكومات وأروقة الشركات المساهمة العامة الكبرى، تسبب لاحقا في إفقار الأردنيين، في موازاة غياب المحاكمة لكل من تسبب في هذا المشهد.
يلفت الانتباه في تقرير لجنة "تقييم التخاصية" الذي أُعلن أول من أمس، أن عوائد التخاصية حُولت إلى صندوق بقيمة 1763 مليون دينار، وأنه تم استخدام معظم هذه العوائد في سداد ومبادلة وإعادة هيكلة ديون الحكومة، وبما مجموعه 1562 مليون دينار، فيما بقي نحو 200 مليون دينار استخدمت في تمويل المشاريع التنموية، ومنها برنامج التحول الاقتصادي الاجتماعي، بحجم 40 مليون دينار. والمفارقة أن هذا الإنفاق (200 مليون دينار) لم يعد بالجدوى الاجتماعية والاقتصادية.
ويسجل لتقرير لجنة تقييم التخاصية رصده افتقار صندوق التخاصية إلى التوثيق السليم والمنظم، علاوة على انعدام دراسات الجدوى لاستخدام هذه العوائد بالشكل الأمثل. وصحيح أن لجنة تقييم التخاصية ليست ضابطة عدلية، لكن المأمول أن لا تقيد الأخطاء (بل الجرائم) بحق الشعب الأردني وحقوقه ضد مجهول، وأن يتحرك القضاء من أجل ملاحقة كل من قصر أو نفذ فعلا فاسدا من المسؤولين.
ويحق للشارع أن يعزو تضخم المديونية إلى استمرار الفساد. فوصول المديونية إلى مستويات شاهقة، يعني بالضرورة أن ثمة إنفاقا منفلتا، يتسبب في استمرار الضغط على تفاصيل الحياة الاقتصادية بغية تسديد فوائد هذه الديون، وذلك عبر توسيع نطاق الضريبة، وما يلحق به من رفع لأسعار الخدمات والسلع.
بالمناسبة، كل المسؤولين الذين شاركوا في الفشل عندما كانوا على كراسي المسؤولية، يلعنون اليوم أداء الحكومات التي جاءت من بعد حكمهم "النزيه"، وسط اتساع هوامش المزايدات التي لا تنتهي. ويبقى للأردنيين التأمل من حولهم، وأن يتوبوا عن إلصاق التهم ضد مسؤوليهم؛ إذ لا يوجد في البلاد فساد ولا ما يحزنون، وكل ما ارتكب خلال العقود الماضية قيّد اليوم ضد مجهول.
hassan–shobaki@
(الغد)