هل كنت تعلم ذلك حول غزة ؟
قد لا يعلم الكثيرون منا نحن معشر المسلمين و العرب عن ذلك القطاع و أهله إلا أنهم جزء محاصر من الشعب الفلسطيني , يعيشون داخل سجن طبيعي يوصف بأنه الأكبر في العالم , و أن قدرهم المحتوم ساقهم ليتعرضوا بين كل فترة و فترة لعدوان اسرائيلي غاشم و بربري يزداد قساوة و همجية في كل مرة , و من كان يعلم منا أنه سيضيف بكل تأكيد بضعة أرقام و إحصائيات عن القطاع , و أن لاجئيه المنتشرين في الدول العربية يتعرضون للتهميش الواضح في منح الحقوق المدنية .
أضاف لي دكتور و باحث أكاديمي فلسطيني معروف معلومة قيّمة حول قطاع غزة كنت أجهلها بالمرة , حين قال : أن أهل غزة تعرضوا في زمن السلطان العادل نور الدين زنكي إلى حصار شديد نفذه وزيران ( فاطميان ) يدعيان " ضرغام " و " شاور" كانا يعملان لصالح الصليبيين بدون علم السلطان, و أن هذا الحصار دفع بأهالي غزة لأكل القطط و الكلاب لفترة من الزمن , و إنتهى الحصار بعد علم السلطان نور الدين زنكي به , الذي جيّش له الجنود و العتاد لفكه و القضاء على الخونة من الموالين للدولة الفاطمية .
أحد الأصدقاء المتخصصين في علم الإجتماع أضاف لي معلومات قيمة حين بادرني بالإجابة على سؤال حول طبيعة و خصائص أهل القطاع , قائلاً لي : أن البيئة الطبيعية الصعبة و الظروف السياسية السلبية التي يعيشها أبناء القطاع و على مر التاريخ تعلب دوراً بارزاً في رسم شخصية أبناء القطاع و أجياله اللاحقة مع مرور الزمن , و التي تفرض عليهم شرب مياه البحر المالحة أحياناً كثيرة , كما أن تضاريسها الجافة نسبياً و موقعها الجيو- سياسي , الذي أصبح نقمة لا نعمة , كل ذلك ساهم في رسم ملامح شخصية الإنسان الغزّي مع مرور الزمن , و ساهمت المتغيرات السياسية و الإحتلال العسكري الإسرائيلي للقطاع و عدوانه المتكرر كل بضعة سنين في صقل شخصيتهم لا في القضاء عليهم , و ترك بصمة واضحة على سلوكهم و صفاتهم التي باتت تمّيزهم و يتميزون بها عن باقي المجتمعات العربية .
فقوة الشخصية و التحمّل و شرب ماء البحر و سماع أصوات الصواريخ و الطائرات و رؤية مشاهد القتل و الدمار و الحصار الإقتصادي الخانق و الفقر المدقع , كل ذلك و الذي أصبح بحكم العادة لديهم و بات يسري في عروقوهم مجرى الدم فيه , خلق ظاهرة تستحق الدراسة و الثناء معاً حين دعتهم تلك الظروف و المتغيرات و العادات المكتسبة إلى الإندفاع المذهل نحو التعليم إعتقاداً منهم أنه سبيل الخلاص الوحيد من المعاناة ( أعلى نسبة تعليم في العالم العربي ) , و أبرز لديهم نزعة دينية عارمة و خلق منهم أيضاً قوة اقتصادية مذهلة غير مستغلة خصوصاً في الأردن , فتلك الظروف التي يمر بها إنسان القطاع ساهمت في خلق حالة خاصة لديه لتكوين الذات تكاد تكون ضعفي تلك الحالة الموجودة لدى الانسان العادي المستقر , و هذا ما يفسر النجاح المذهل لأبناء القطاع و عائلاته حينما يتمتعون بالإستقرار , خصوصاً في دول الخليج العربي و هذا ما يفسر أيضاً نجاح الشباب الغزيين في اوروبا .
نضيف هذه المعلومات القيمة الى المعلومة التاريخية التي أخبرنا بها القرآن الكريم حول جبروت هؤلاء القوم و أنه ما كان للنبي موسى عليه الصلاة و السلام مطلقاً ان يعبر بالعبرانيين الى غزة , لولا تأييد الله و مساعدته لموسى و قومه , لنقف عند حقيقة تاريخية , تأبى أن تُمحى بأن ذلك القطاع و أهله صامدون و سيصمدون إلى ما شاء الله .
مثل هؤلاء القوم ... لا يندثرون أبداً , بل يتوارثون جينات خاصة تمكنهم من الصمود و الشموخ مع كل جنين يُولد , فبوجود مثلهم لم يعد لدي شك مطلقاً بأن الإسلام إفتخر بهم ... لا بما نحن عليه من إفتخارنا بالإسلام ... فللّه درك يا غزة ....