ورقة النقاش الملكية الخامسة و الإنذار المبكر لأحزابنا السياسية
من قرأ ورقة النقاش الملكية الخامسة التي نشرها جلالة الملك قبل أيام و ما تضمنته في حيز مهم منها يتعلق بمستقبل احزابنا السياسية , من المؤكد أنه سينتبه لفقرة معينة جاء فيها " ..... يقع على الأحزاب السياسية مسؤوليات الاندماج وصولاً إلى عدد منطقي من الأحزاب الرئيسية الممتدة على مستوى الوطن، والتي تمثل مختلف آراء الطيف السياسي وتتبنى برامج حزبية واضحة وشاملة".
و في ذات الوقت , من ينظر إلى الساحة الحزبية الحالية و ما من الممكن ان تشهده في المستقبل من تزايد مضطرد غير مسبوق لعددها , خصوصاً بعد تقليص عدد مؤسسي الحزب الى رقم بات من خلاله السهل على كل مجموعة عشوائية أن تشكل حزبها الخاص بها , محاولاً فهم ما تسعى ورقة النقاش لإخبارنا بشأنه في ظل هذا الواقع الذي يناقض مضمونها تماماً .
و لتفسير ذلك التناقض بين مضمون الورقة و واقع الحال , فإن ذلك يقودنا إلى الإستنتاج بأن هنالك فترة زمنية عصيبة متوقعة تنتظر أحزابنا السياسية , ستقوم بغربلة الأحزاب السياسية تماماً كما حدث في العام 2007 بصدور قانون الأحزاب السياسية , و الذي غربلها و قلص عددها الى 16 حزبا سياسيا فقط من 36 حزباً , باشتراطه وجود حد ادنى لعدد الأعضاء لا يقل عن 500 عضو .
لا أعتقد ان هنالك اي قانون يخيّر الاحزاب على الدمج فيما بينها او يجبرها على ذلك لمجرد الدمج , و لا اعتقد كذلك بأن هنالك حاجة لإصدار قانون احزاب خامس و جديد بعد (1992,2007,2012,2014) لكون الأخير لم يرى النور لغاية الان , و لكن قد نشهد بعض الإجراءات او الانظمة او التعديلات الطفيفة و الجزئية التي تقود إلى تطبيق مضمون ورقة النقاش الملكية و تقليص عدد الاحزاب وصولاً منها الى العدد المنطقي كما جاء فيها , كايقاف الدعم المالي مثلاً عن الأحزاب و الذي يعتبر منحة حكومية لا قانوناً , " و هذا مما لم تنتبه له أغلب أحزابنا السياسية " , او قد تعدّل فقرة شرط عدد الأعضاء مجدداً فقط دون غيرها من القانون , او اي اجراء اخر قد يقود بعض الأحزاب السياسية نحو الحل أو الدمج .
فهل قرأت أحزابنا السياسية ابعاد ورقة النقاش الملكية الخامسة أم أنها تنتظر حصول ما لا يُحمد عقباه .
الأمر لا يستدعي من أحزابنا السياسية العمل على إيجاد منفذ لها ينجيها من أي إجراء قد تواجهه في المستقبل , بقدر ما هي دعوة صريحة و علنية لها للعمل و التميّز و التمدد الأفقي و تنويع أنشطتها لبناء الأحزاب القوية و الفاعلة , و بخلاف ذلك ستسقط تلقائياً الأحزاب السياسية غير الفاعلة مع أول إجراء حكومي قد يُتخذ.