النهايات المؤلمة!
حسن الشوبكي
جو 24 : تبدأ الحكومات عهدها بالتبشير بحقبة من الازدهار والإصلاح الاقتصادي. ومع مرور الأشهر والتجارب، تخبو هذه الأحلام رويدا رويدا على مسرح الواقع، وينقلب الأمر إلى ضده عندما يحين موعد النهاية؛ إذ يبدأ تبرير السياسات التي لا تصب في مصلحة الشعب.
ما ذهبت إليه تسهل ملامسته إذا ما دققنا في سلوك الحكومات قبيل لحظة الرحيل. وإذا حاولنا فهم السلوك الحكومي اليوم تجاه ملفات اقتصادية مقلقة، نجد أن هذه المحاولة تسير في طريق يزيد من حدة الأسئلة، من دون توفر مساحات للإجابات المقنعة.
والحالة هذه، فمن غير الممكن أن تتخذ الحكومة قرارات شجاعة وهي تتأهب للرحيل. لكننا حيال ملف إضراب المعلمين الذي يحرجنا جميعا، لجهة تقصيرنا مع هذا القطاع المهني العريض في السابق. ونتوقع من الحكومة أن تقدم لنا أدنى درجات الشفافية في خطابها. فنقابة المعلمين تتحدث عن كلفة تقارب 90 مليون دينار سنويا لعلاوة الميدان أو "الطبشورة" المختلف عليها، بينما تقول الحكومة إن هذه الكلفة تفوق 240 مليون دينار، فمن نصدق؟ ومن المخجل أن تتكئ الحكومة في أسلوب إدارتها لهذه الأزمة الكبيرة على نظرية المؤامرة؛ فالشكوى المالية والمهنية والحقوقية بالنسبة للمعلمين تنطوي على حقوق يصعب إنكارها. ولا أحسب أن الحكومة تملك ترف الوقت لاستفزاز جسم نقابي يقارب تعداده 150 ألف معلم ومعلمة في القطاعين الحكومي والخاص، قبيل بدء الموسم الدراسي ببضعة أيام.
ملف آخر ثقيل، هو التسوية النهائية المرتقبة خلال أيام التي ستعتمدها شركة الفوسفات، بموافقة حكومية، مع رئيس مجلس إدارة الشركة الأسبق وليد الكردي، والمحكوم منذ 14 شهرا بالأشغال الشاقة لاثنين وعشرين عاما. وفي الوقت الذي تشير فيه الأنباء الواردة من الشركة إلى أن بيانات واتفاقات التسوية في أيامها الأخيرة، فإن الرأي العام الذي شكلت له قضية الفساد في "الفوسفات" حجر الزاوية للانتقادات والاحتجاجات في السنوات الثلاث الماضية، سيكون أمام واقع جديد، عليه أن يلزم الصمت حياله، ومثله تفعل الحكومة؛ وكأن هذه الصفقة لا تعنيها من قريب أو بعيد.
وفي جوهر السلوك الحكومي قبيل الرحيل أيضا، ثمة تلويح باتخاذ "قرارات اقتصاددية صعبة"، وتوسع في الاستدانة الخارجية لمستويات مقلقة. في موازاة ذلك، يتعرض الاستقرار الاقتصادي في البلاد لهزات تجعل من توطين الاستثمارالعربي والأجنبي أمرا ليس في متناول اليد. أما قسوة المعيشة في السنة الأخيرة، فهي مثار بحث وتحليل من طرف جهات دولية متخصصة لا محلية، وربما الأمر لا يعني الحكومة. ففي استطلاع وحدة المعلومات التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، تبين أن عمان تأتي في المرتبة 103 بين 140 مدينة على صعيد مدى ملاءمتها للعيش. ويقيس الاستطلاع الاستقرار والتعليم والبيئة والبنية التحتية والرعاية الصحية.
أصبحت أخشى الحكومات أكثر عندما تبدأ استعدادها لمغادرة "الدوار الرابع". ولا أطالب الحكومة الحالية بموقف استثنائي من إضراب نقابة المعلمين، أو ملف "الفوسفات"، وإنما أدعوها إلى تقديم المعلومات الصحيحة للرأي العام. وربما أكون أكثر طموحا، فأتمنى عليها وقف الاستفزازات والتصريحات الضارة، وعدم استسهال تبني نظرية المؤامرة خلف مقالات تحريضية لا تحدث فرقا. والأهم مما سبق أن لا تتسبب الحكومة بألم اقتصادي جديد وهي التي تلوح بقرارات صعبة إضافية، سيدفع ثمنها المواطن من قدراته الشرائية الهشة. والمأمول أن تكون الحكومة قد توقفت عند نتيجة استطلاع "إيكونوميست"، أم أن في الأمر مؤامرة؟!
الغد
ما ذهبت إليه تسهل ملامسته إذا ما دققنا في سلوك الحكومات قبيل لحظة الرحيل. وإذا حاولنا فهم السلوك الحكومي اليوم تجاه ملفات اقتصادية مقلقة، نجد أن هذه المحاولة تسير في طريق يزيد من حدة الأسئلة، من دون توفر مساحات للإجابات المقنعة.
والحالة هذه، فمن غير الممكن أن تتخذ الحكومة قرارات شجاعة وهي تتأهب للرحيل. لكننا حيال ملف إضراب المعلمين الذي يحرجنا جميعا، لجهة تقصيرنا مع هذا القطاع المهني العريض في السابق. ونتوقع من الحكومة أن تقدم لنا أدنى درجات الشفافية في خطابها. فنقابة المعلمين تتحدث عن كلفة تقارب 90 مليون دينار سنويا لعلاوة الميدان أو "الطبشورة" المختلف عليها، بينما تقول الحكومة إن هذه الكلفة تفوق 240 مليون دينار، فمن نصدق؟ ومن المخجل أن تتكئ الحكومة في أسلوب إدارتها لهذه الأزمة الكبيرة على نظرية المؤامرة؛ فالشكوى المالية والمهنية والحقوقية بالنسبة للمعلمين تنطوي على حقوق يصعب إنكارها. ولا أحسب أن الحكومة تملك ترف الوقت لاستفزاز جسم نقابي يقارب تعداده 150 ألف معلم ومعلمة في القطاعين الحكومي والخاص، قبيل بدء الموسم الدراسي ببضعة أيام.
ملف آخر ثقيل، هو التسوية النهائية المرتقبة خلال أيام التي ستعتمدها شركة الفوسفات، بموافقة حكومية، مع رئيس مجلس إدارة الشركة الأسبق وليد الكردي، والمحكوم منذ 14 شهرا بالأشغال الشاقة لاثنين وعشرين عاما. وفي الوقت الذي تشير فيه الأنباء الواردة من الشركة إلى أن بيانات واتفاقات التسوية في أيامها الأخيرة، فإن الرأي العام الذي شكلت له قضية الفساد في "الفوسفات" حجر الزاوية للانتقادات والاحتجاجات في السنوات الثلاث الماضية، سيكون أمام واقع جديد، عليه أن يلزم الصمت حياله، ومثله تفعل الحكومة؛ وكأن هذه الصفقة لا تعنيها من قريب أو بعيد.
وفي جوهر السلوك الحكومي قبيل الرحيل أيضا، ثمة تلويح باتخاذ "قرارات اقتصاددية صعبة"، وتوسع في الاستدانة الخارجية لمستويات مقلقة. في موازاة ذلك، يتعرض الاستقرار الاقتصادي في البلاد لهزات تجعل من توطين الاستثمارالعربي والأجنبي أمرا ليس في متناول اليد. أما قسوة المعيشة في السنة الأخيرة، فهي مثار بحث وتحليل من طرف جهات دولية متخصصة لا محلية، وربما الأمر لا يعني الحكومة. ففي استطلاع وحدة المعلومات التابعة لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، تبين أن عمان تأتي في المرتبة 103 بين 140 مدينة على صعيد مدى ملاءمتها للعيش. ويقيس الاستطلاع الاستقرار والتعليم والبيئة والبنية التحتية والرعاية الصحية.
أصبحت أخشى الحكومات أكثر عندما تبدأ استعدادها لمغادرة "الدوار الرابع". ولا أطالب الحكومة الحالية بموقف استثنائي من إضراب نقابة المعلمين، أو ملف "الفوسفات"، وإنما أدعوها إلى تقديم المعلومات الصحيحة للرأي العام. وربما أكون أكثر طموحا، فأتمنى عليها وقف الاستفزازات والتصريحات الضارة، وعدم استسهال تبني نظرية المؤامرة خلف مقالات تحريضية لا تحدث فرقا. والأهم مما سبق أن لا تتسبب الحكومة بألم اقتصادي جديد وهي التي تلوح بقرارات صعبة إضافية، سيدفع ثمنها المواطن من قدراته الشرائية الهشة. والمأمول أن تكون الحكومة قد توقفت عند نتيجة استطلاع "إيكونوميست"، أم أن في الأمر مؤامرة؟!
الغد