"نخب" معزولة عن الواقع الاقتصادي
حسن الشوبكي
جو 24 : تبدو "النخبة" الاقتصادية،عموماً، ومثلها السياسية، معزولة عن الواقع؛ تتحدث عن إشكاليات المعيشة وغياب السعادة من زاوية الإشادة بـ"منجزاتها"، وهي التي مكثت طويلا على المناصب، وانتقلت من واحد لآخر، فيما الأوضاع تزداد سوءا كلما تقدمت السنوات.
منذ أكثر من ربع قرن، ووعود ساسة ورجال أعمال في بلادنا تتزاحم لتقديم صورة وردية لحال الأردنيين، فيما النتائج مخيبة للآمال. لكن الإنكار ظل حليفا لهذه "النخبة".
وعندما تجلس هذه "النخبة" مع بعضها، تجدها تتعاطى مع الشأن العام بانفصام لا لبس فيه، وأحيانا باستشراق؛ حتى إن أحدهم تساءل ذات وليمة، وعلى الملأ: هل هناك فقر في الطفيلة؟ وبسرعة هائلة، تتحول الكلمات في لقاءات هذه "النخبة" إلى دفاع مستميت عن "منجزاتها"، وتهاجم بالضرورة الإعلام باعتبار أن تغطياته سبب في رحيل الاستثمار ونشر الصورة السلبية عن الدولة في الخارج، لأن ثمة إعلاميين "لا ينظرون إلا إلى النصف الفارغ من الكأس"، فهذه هي الأزمة من وجهة نظر كثير من المسؤولين في القطاعين العام والخاص، وفي البرلمان، وغيرهم. ووصلت بهم القناعة إلى أن الحل يكمن في إنشاء وسائل إعلام خاصة بهم يخاطبون من خلالها الجمهور، على طريقتهم!
يقول رئيس الوزراء د. عبدالله النسور إن العام 2015 سيكون "مهما جدا" للأردن. والمقصود بهذا أن الإصلاحات الاقتصادية كلها ستكون قيد التطبيق في العام المقبل، كما أن "اللامركزية" والمجالس المنتخبة في كل محافظة ستشكل فرقا في الواقع التنموي، من خلال ما يشبه الحكومة المحلية والبرلمان في كل محافظة. غير أن المهم بالنسبة للأردنيين -في تقديري- ليس الوعود أو الإصلاحات التشريعية التي تتغير بين ليلة وضحاها، بل التحديات الماثلة أمامهم، والمتجسدة بصعوبة العيش وغلاء الأسعار، وأثر السياسات السلبي على واقعهم الاقتصادي الثقيل.
إن عقد أكثر من 91 جلسة في البرلمان خلال عام واحد، ليس إنجازا. ومثله الحديث عن أكثر من 52 تشريعا. الأهم هو السؤال عما إذا كانت تلك الجلسات وهاتيك التشريعات سببا في تحسين شروط حياة الأردنيين أم لا. ويصبح السؤال هنا عن تحقق السعادة أو عدم تحققها أساسيا كي يتم تقييم الدور الذي قدمته "النخب" في خدمة الشعب.
عبر برامج اقتصادية متعددة ومتلونة في العلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، أمسى لزاما أن نسأل عن صحة المسار وسلامته. وفي اتجاه أكثر اتساعا، تكمن أهمية البحث في مدى قدرة "النخبة" على خلق أجواء اقتصادية صحية قابلة للديمومة؛ على صعيد الإنتاجية وضبط الإنفاق وازالة التشوهات التي ترافق سوق العمل كظله. والحقيقة المرة تكشف لنا بعد عقود من التجريب -والارتجال أحيانا- أن التبعية للخارج، وغياب المشروع الداخلي المتماسك، انتهيا إلى حالة اقتصادية تلاشت فيها الطبقة الوسطى، وتسلل الإحباط إلى أرباب الأسر الذين يتكيفون قسريا مع رواتب لا تقوى على مواجهة استحقاقاتهم الشهرية.
تلك الجلسات للنخب أمست في عزلة تامة عن حقيقة ما يهجس به الأردنيون. والأجدى أن نصدق في التشخيص، حتى نتوصل إلى علاج متدرج لأزماتنا؛ لا أن نغرق أكثر وأكثر في الديون والفشل، واللجوء إلى جيوب المواطنين لحل مشكلات ليسوا سببا فيها.
(الغد)
منذ أكثر من ربع قرن، ووعود ساسة ورجال أعمال في بلادنا تتزاحم لتقديم صورة وردية لحال الأردنيين، فيما النتائج مخيبة للآمال. لكن الإنكار ظل حليفا لهذه "النخبة".
وعندما تجلس هذه "النخبة" مع بعضها، تجدها تتعاطى مع الشأن العام بانفصام لا لبس فيه، وأحيانا باستشراق؛ حتى إن أحدهم تساءل ذات وليمة، وعلى الملأ: هل هناك فقر في الطفيلة؟ وبسرعة هائلة، تتحول الكلمات في لقاءات هذه "النخبة" إلى دفاع مستميت عن "منجزاتها"، وتهاجم بالضرورة الإعلام باعتبار أن تغطياته سبب في رحيل الاستثمار ونشر الصورة السلبية عن الدولة في الخارج، لأن ثمة إعلاميين "لا ينظرون إلا إلى النصف الفارغ من الكأس"، فهذه هي الأزمة من وجهة نظر كثير من المسؤولين في القطاعين العام والخاص، وفي البرلمان، وغيرهم. ووصلت بهم القناعة إلى أن الحل يكمن في إنشاء وسائل إعلام خاصة بهم يخاطبون من خلالها الجمهور، على طريقتهم!
يقول رئيس الوزراء د. عبدالله النسور إن العام 2015 سيكون "مهما جدا" للأردن. والمقصود بهذا أن الإصلاحات الاقتصادية كلها ستكون قيد التطبيق في العام المقبل، كما أن "اللامركزية" والمجالس المنتخبة في كل محافظة ستشكل فرقا في الواقع التنموي، من خلال ما يشبه الحكومة المحلية والبرلمان في كل محافظة. غير أن المهم بالنسبة للأردنيين -في تقديري- ليس الوعود أو الإصلاحات التشريعية التي تتغير بين ليلة وضحاها، بل التحديات الماثلة أمامهم، والمتجسدة بصعوبة العيش وغلاء الأسعار، وأثر السياسات السلبي على واقعهم الاقتصادي الثقيل.
إن عقد أكثر من 91 جلسة في البرلمان خلال عام واحد، ليس إنجازا. ومثله الحديث عن أكثر من 52 تشريعا. الأهم هو السؤال عما إذا كانت تلك الجلسات وهاتيك التشريعات سببا في تحسين شروط حياة الأردنيين أم لا. ويصبح السؤال هنا عن تحقق السعادة أو عدم تحققها أساسيا كي يتم تقييم الدور الذي قدمته "النخب" في خدمة الشعب.
عبر برامج اقتصادية متعددة ومتلونة في العلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، أمسى لزاما أن نسأل عن صحة المسار وسلامته. وفي اتجاه أكثر اتساعا، تكمن أهمية البحث في مدى قدرة "النخبة" على خلق أجواء اقتصادية صحية قابلة للديمومة؛ على صعيد الإنتاجية وضبط الإنفاق وازالة التشوهات التي ترافق سوق العمل كظله. والحقيقة المرة تكشف لنا بعد عقود من التجريب -والارتجال أحيانا- أن التبعية للخارج، وغياب المشروع الداخلي المتماسك، انتهيا إلى حالة اقتصادية تلاشت فيها الطبقة الوسطى، وتسلل الإحباط إلى أرباب الأسر الذين يتكيفون قسريا مع رواتب لا تقوى على مواجهة استحقاقاتهم الشهرية.
تلك الجلسات للنخب أمست في عزلة تامة عن حقيقة ما يهجس به الأردنيون. والأجدى أن نصدق في التشخيص، حتى نتوصل إلى علاج متدرج لأزماتنا؛ لا أن نغرق أكثر وأكثر في الديون والفشل، واللجوء إلى جيوب المواطنين لحل مشكلات ليسوا سببا فيها.
(الغد)