وهم الثراء السريع ومخيالنا السلبي
حسن الشوبكي
جو 24 : بين من فقد حياته وهو يبحث عن الدفائن، ومن باع منزله ليوفر المبالغ اللازمة للحفر ورحلة البحث المفتوحة، وثالث طلق زوجته وهجر عائلته... تتلاطم خديعة البحث عن الثروة، لاسيما المعادن والآثار الثمينة في بلادنا، مع موروث شعبي يكن المودة الصادقة لكل ما يشاع، حتى لو كان كذبا. وكل ذلك يكشف عن هشاشة الحلم الاقتصادي، على المستويين الجمعي والفردي.
سمعت مئات الروايات عن مسار حركة الجيش التركي على الخط الحجازي في منطقتنا، ومن ضمنها الرواتب التي تركها هذا الجيش قبل نحو مئة عام على جنبات ذاك الخط. وكذلك مئات الروايات أيضا عن المغارات التي تحمل رموزا "يحيط" بمدلولاتها الباحثون عن الذهب والتحف الأثرية. وفي عمق هذا السلوك الأقرب إلى الوهم، يجري الحديث في جلسات عامة عن "الزئبق الأحمر"! وكيفية جلبه من الهند أو المغرب بكلف باهظة ينوء عن حملها أصحاب الدخول المتوسطة، من أجل فك "الرصد" عن باب مغارة، إيذانا بدخولها وتوزيع ما تناثر من ثروة فيها على فريق البحث أو الوهم.
والتساؤلات مفتوحة أيضا على شكل ومضمون السلوك الذي ارتهن له كثير من الأردنيين قبل سنوات، خصوصا عندما سيطر وهم الإثراء السريع على عقولهم، فمنهم من باع بيته وأرضه وسيارته ومصاغ زوجته، وأوقف دراسة أبنائه، أو تخلى عن ماشيته، من أجل ضخ أكبر قدر ممكن من الأموال في مكاتب البورصات، التي تبين فيما بعد أن كثيراً منها مجرد خدعة تحمّل خساراتها آلاف الأردنيين.
بالعودة الى الذهب، فلا يكاد يخلو حي أو منطقة من باحثين عن الذهب. وذات الروايات تتكرر، ومعها ذات الوهم، لتتراكم الخسائر لديهم، وبما يؤثر على مستقبل عائلاتهم وأمنهم المعيشي. وكل هذا هروبا من واقع سيطر عليه الإحباط. فالبطالة تنخر المجتمع وشرائحه، والذي يعمل بالكاد يلتقط أنفاسه بعد يومين أو ثلاثة من استلامه الراتب الهزيل، أما المتقاعدون فما تزال لدى بعضهم فسحة من أمل وحلم لكي يصنع شيئا ببحثه الدائم عن الذهب! ولتتراكم الخسائر الشخصية بملايين الدنانير، ومثلها خسائر تمس الدولة في الصميم؛ فالأمن منشغل بهؤلاء، ونحو نصف مليون موقع أثري على امتداد البلاد، عرضة للخراب بسبب ما يفعله الحالمون بالثروة والثراء!
والحالة هذه، فليس غريبا أن يسيطر ما قيل إنه "ذهب عجلون" على عقول ومزاج الأردنيين خلال الأيام الماضية؛ فمن تكذيب للرواية الرسمية عن الحفر والإنشاءات، مرورا بحديث يجري تصديقه عن شاحنات نقلت ذهبا وتماثيل بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار! وصولا إلى مطالبات بحصص من هذه الثروة التي قامت الدولة، وفقا لروايات سكان المنطقة، باستخراجها في الليل. فيما المشهد برمته ينطوي على ذات الوهم الذي قضى فيه نفر من الأردنيين بعضا من سنوات أعمارهم، لكن النتيجة كانت خواء.
لا تعنيني قصة "ذهب عجلون"، وليس مهما الصادق هنا في هذا المخيال الأردني المفتوح. الدرس الوحيد الذي يمكن تعلمه هنا هو أن الشعوب التي تقدمت وطورت مستوياتها وأوضاعها المعيشية، حققت ذلك بفعل الإبداع والجهد والعلم؛ وأن الاقتصاد والإنتاج لا يكونان إلا بالبذل والتعب، والسير على خطى واثقة وراسخة، وفقا لمعايير القيمة المضافة التي تتحدث عنها نظريات عديدة في علم الاقتصاد. أما الوهم والارتماء في أحضان المجهول، فلا طائل منهما، بل هما الخسارة بعينها. فهل نتعلم من دروس قاسية أذاقتنا مُرّا لا يمكن نسيانه؟
الغد
سمعت مئات الروايات عن مسار حركة الجيش التركي على الخط الحجازي في منطقتنا، ومن ضمنها الرواتب التي تركها هذا الجيش قبل نحو مئة عام على جنبات ذاك الخط. وكذلك مئات الروايات أيضا عن المغارات التي تحمل رموزا "يحيط" بمدلولاتها الباحثون عن الذهب والتحف الأثرية. وفي عمق هذا السلوك الأقرب إلى الوهم، يجري الحديث في جلسات عامة عن "الزئبق الأحمر"! وكيفية جلبه من الهند أو المغرب بكلف باهظة ينوء عن حملها أصحاب الدخول المتوسطة، من أجل فك "الرصد" عن باب مغارة، إيذانا بدخولها وتوزيع ما تناثر من ثروة فيها على فريق البحث أو الوهم.
والتساؤلات مفتوحة أيضا على شكل ومضمون السلوك الذي ارتهن له كثير من الأردنيين قبل سنوات، خصوصا عندما سيطر وهم الإثراء السريع على عقولهم، فمنهم من باع بيته وأرضه وسيارته ومصاغ زوجته، وأوقف دراسة أبنائه، أو تخلى عن ماشيته، من أجل ضخ أكبر قدر ممكن من الأموال في مكاتب البورصات، التي تبين فيما بعد أن كثيراً منها مجرد خدعة تحمّل خساراتها آلاف الأردنيين.
بالعودة الى الذهب، فلا يكاد يخلو حي أو منطقة من باحثين عن الذهب. وذات الروايات تتكرر، ومعها ذات الوهم، لتتراكم الخسائر لديهم، وبما يؤثر على مستقبل عائلاتهم وأمنهم المعيشي. وكل هذا هروبا من واقع سيطر عليه الإحباط. فالبطالة تنخر المجتمع وشرائحه، والذي يعمل بالكاد يلتقط أنفاسه بعد يومين أو ثلاثة من استلامه الراتب الهزيل، أما المتقاعدون فما تزال لدى بعضهم فسحة من أمل وحلم لكي يصنع شيئا ببحثه الدائم عن الذهب! ولتتراكم الخسائر الشخصية بملايين الدنانير، ومثلها خسائر تمس الدولة في الصميم؛ فالأمن منشغل بهؤلاء، ونحو نصف مليون موقع أثري على امتداد البلاد، عرضة للخراب بسبب ما يفعله الحالمون بالثروة والثراء!
والحالة هذه، فليس غريبا أن يسيطر ما قيل إنه "ذهب عجلون" على عقول ومزاج الأردنيين خلال الأيام الماضية؛ فمن تكذيب للرواية الرسمية عن الحفر والإنشاءات، مرورا بحديث يجري تصديقه عن شاحنات نقلت ذهبا وتماثيل بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار! وصولا إلى مطالبات بحصص من هذه الثروة التي قامت الدولة، وفقا لروايات سكان المنطقة، باستخراجها في الليل. فيما المشهد برمته ينطوي على ذات الوهم الذي قضى فيه نفر من الأردنيين بعضا من سنوات أعمارهم، لكن النتيجة كانت خواء.
لا تعنيني قصة "ذهب عجلون"، وليس مهما الصادق هنا في هذا المخيال الأردني المفتوح. الدرس الوحيد الذي يمكن تعلمه هنا هو أن الشعوب التي تقدمت وطورت مستوياتها وأوضاعها المعيشية، حققت ذلك بفعل الإبداع والجهد والعلم؛ وأن الاقتصاد والإنتاج لا يكونان إلا بالبذل والتعب، والسير على خطى واثقة وراسخة، وفقا لمعايير القيمة المضافة التي تتحدث عنها نظريات عديدة في علم الاقتصاد. أما الوهم والارتماء في أحضان المجهول، فلا طائل منهما، بل هما الخسارة بعينها. فهل نتعلم من دروس قاسية أذاقتنا مُرّا لا يمكن نسيانه؟
الغد