انتخابات الرئاسة...وتحديات السياسة والاقتصاد
رغم المزايا كافة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها ما زالت تعاني من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في أيلول عام 2008، فهي أقوى دولة في العالم اقتصاديا، وما زالت تتربع على قمة هرم النظام العالمي أحادي القطبية، حيث يشكل الناتج الإجمالي الأمريكي أكثر من 15 تريليون دولار وفق معلومات صندوق النقد الدولي، تباطؤ النمو الاقتصادي خلال الأعوام الأخيرة، وما زالت تتمتع بمركز قوي في إدارة أهم المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وما زال الدولار يشكل احتياط العملات العالمية. هذا لا يعني أنها لم تتعرض لمنافسة حادة من قبل الدولة الصاعدة التي حسّنت مكانتها على حساب عدد من الدول الصناعية المتقدمة، فقد احتل العملاق الصيني المرتبة الثانية في العالم ، وقدر ناتجه الإجمالي بحوالي 11.3 تريليون دولار وفق المصدر نفسه.
ومع ذلك يعاني الاقتصاد الأمريكي من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ومن تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة التي تحتل أولوية اهتمام الأمريكيين، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 12.7 مليون أمريكي وبنسبة تقدر بحوالي 8.2% من الطبقة العاملة. وقد فشلت الإدارة الأمريكية في تحقيق وعودها. رغم ضخ تريليونات الدولارات لتحفيز الاقتصاد ودعم المؤسسات المتعثرة. وفي هذا السياق تقول كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي "إن المشاكل الاقتصادية في أوروبا والجمود السياسي في الولايات المتحدة يمكن أن يلحقا الضرر بالاقتصاد الأمريكي، وتؤذي الاقتصاد الأمريكي ، مستندة إلى دراسة استغرقت عاما عن الاقتصاد الأمريكي من قبل 12 خبيرا من صندوق النقد الدولي تؤدي إلى خفض ثقة المستهلك والشركات وانخفاض الطلب على الصادرات الأمريكية.
وتواجه أمريكا كغيرها من الدول الأوروبية مسألة معقدة ومتناقضة حيث يتعين عليها تخفيض العجز المتنامي للموازنة وهذا يتطلب خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، إلا أن هذه الإجراءات الانكماشية تعرقل النمو الاقتصادي في النظام الرأسمالي وتؤثر سلبا في مواجهة قضية البطالة، عدا رفض الكونجرس الأمريكي تمرير سياسات الإدارة الأمريكية . وقد حذر الصندوق من عدم التوصل إلى اتفاق بشأن تخفيض الإنفاق، مشيرا إلى أنه سيؤدي إلى ما يعرف بالهاوية المالية.. كما أن عدم حل مشكلة سقف الديون يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات واضحة في الأسواق المالية.
ويواجه اوباما تحديا كبيرا في معركته الانتخابية المقبلة، فالأزمة المالية والاقتصادية التي أطاحت بالحزب الجمهوري في الانتخابات الماضية ومهدت الطريق أمام وصول اوباما إلى البيت الأبيض، ربما تكون سببا في فشل التجديد له بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى في تشرين الثاني المقبل، واضح أن القلق يساور الرئيس الأمريكي وهو يدعو لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي قبل أقل من ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، فالذي لم يتمكن من تحقيقه في السنوات الأربع الماضية لم يفلح بتحقيقه في الأيام القليلة القادمة. وهي حالة تدعو لتشاؤم الناخب الأمريكي من قدرة الرئيس اوباما تحقيق اختراق غير عادي خلال الشهور القادمة.
هذا لا يعني أن الحزب الجمهوري لديه برنامج اقتصادي قادر على مواجهة الأزمة، بل على العكس من ذلك فالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تبنتها أمريكا منذ عهد ريغان تواصلت بشكل متسارع في عهد بوش الأب والابن وهي إنتاج الحزب الجمهوري، وهي وراء انفجار الأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها النظام الرأسمالي. وللأسف الشديد لم يشهد المجتمع الأمريكي انعطافة تاريخية بعد تضعه أمام خيارات جديدة خارج ثنائية الديمقراطيين والجمهوريين.
وفي السياسة الخارجية تلمس جمود الموقف السياسي الأمريكي بوضوح في عام الانتخابات، خاصة عندما يتعلق الأمر بمغامرات تتصل بقضايا السلم والحرب، وتداعياتها الاقتصادية ، فقد تسربت بعض المعلومات عن قرارات اتخذت مع وقف التنفيذ إلى ما بعد الانتخابات، تتعلق بمغامرة عسكرية تستهدف سورية، والاستهداف السوري ليس معزولا عن إيران، خاصة أن هناك ضغوطا إسرائيلية لتوجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني، ستؤدي إلى حرب إقليمية لا يعرف حدودها أو نتائجها، في المقابل لن تقف إيران مكتوفة الأيدي حيال أية مغامرة تستهدف سورية، وفي الحالتين سيكون لحزب الله دور بارز في هذه الحروب ، وتأجيل هذه المهام إلى ما بعد الانتخاب -إذا صحت هذه المعلومات- خشية من آثارها السلبية على نتائج الانتخابات، لسببين الأول ليس كل مغامرة أمريكية مضمونة النتائج، وثانيا خشية من أن تتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، وفي كلا الحالتين ستؤثر سلبا في موقف الناخب الأمريكي المشدود للقضايا الداخلية. أما دوافع المغامرات العسكرية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية عادة، فهي ليس بهدف التأكيد على دور ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميا والدفاع عن "مصالحها" الإقليمية والدولية فحسب، بل وإن إشغال الحروب وخلق بؤر التوتر في العالم من أهم مصادر الدخل للاحتكارات الأمريكية، وإحدى وسائلها لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، فقد حصدت الاحتكارات الأمريكية والأوروبية العديد من العقود في قطاعات النفط وغيرها في ليبيا على حساب الشركات الصينية والروسية، ثمنا لتدخلها العسكري.