البلاد في عين الأزمة
تشهد البلاد حالة من الإحباط والاحتقان، بسبب غياب الرؤية السياسية والمنهجية الواضحة للخروج من الأزمات المتراكمة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد فوجئ الشعب الأردني وقواه الوطنية من أحزاب وهيئات سياسية واجتماعية ونقابية وحراكات شعبية في الأرياف والمدن والمخيمات والبوادي، بإصرار السلطة التنفيذية على إعادة إنتاج الأزمات بفرض مجالس نيابية لا تمثل الشعب.
رئيس الوزراء يتعهد بانتخابات نزيهة... ويدعو للمشاركة بالانتخابات على أساس قانون الصوت الواحد المجزوء... الذي افرز مجالس نيابية استخدمت من قبل الحكومات المتعاقبة لتمرير أسوأ القوانين، وفي مقدمتها قانون اتفاقية وادي عربة مع العدو الصهيوني، إضافة إلى حزمة القوانين السياسية والاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى كارثة حقيقية...
لا يزال إلى الآن سوق بضاعة أسهمت في تمزيق البلاد وتفتيت البنيان الاجتماعي، وانتشار الجرائم، لم يمض يوم دون سقوط ضحايا بسبب الاشتباكات العشائرية والجهوية، في مختلف أنحاء البلاد، أما الجامعات التي أصبحت مسرحا للمبارزات العصبية والقبلية، فتحولت ساحاتها إلي ميادين للاقتتال، نتيجة الشحن والتعبئة.
أما مؤسسة الفساد التي أفزرتها الحكومات المتعاقبة في ظل غياب الرقابة البرلمانية، فتتمتع بنفوذ قوي غير قابل للاختراق وحصانتها منيعة، وأصبحت كالوحش الذي يلتهم كل ما حوله، فقد ابتلعت مؤسسات الدولة ومقدرات الشعب الأردني ... وحملت البلاد مديونية لا احد يستطيع تحديد قيمتها، فالأرقام متحركة كان آخرها 17 مليار دينار، والقروض المحلية متنامية شهريا إن لم نقل يوميا لتغطية الرواتب والنفقات الجارية بشكل عام، وقد نافست القروض الحكومية القطاع الخاص على التسهيلات الائتمانية، وامتصت السيولة من القطاع المصرفي، وأسهمت بالحفاظ على مستويات مرتفعة للفائدة. والحكومة سعيدة هذه الأيام لنجاحها المبهر بإقناع صندوق النقد الدولي إقراضها ملياري دولار.
خزينة البلاد خاوية، رغم ارتفاع العبء الضريبي على المواطنين، وتخفيضها على كبار الرأسماليين من التجار والبنوك وشركات الاتصالات، لدرجة أن الدوائر الحكومية أصبحت عاجزة عن دفع فواتير الكهرباء مما اضطر شركة الكهرباء الوطنية إلى قطع التيار الكهربائي عن سلطة المياه، كما أوقفت مصفاة البترول تزويد سلطة المياه بالمحروقات، وتفاقمت مشكلة المياه في البلاد بسبب انقطاعها عن مناطق واسعة منذ عدة أسابيع.
أما الحكومة فقد تمحورت جهودها خلال هذه المرحلة حول تجميل صورة الوضع المالي والاقتصادي أمام صندوق النقد الدولي، معززة موقفها بالإجراء الذي اتخذته برفع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية، على المواطنين لتعزيز طلبها بالحصول على قرض الصندوق، وقد طرحت برنامجا اقتصاديا طموحا غير قابل للتنفيذ، لسبب بسيط، أن معدل نمو النفقات العامة في البلاد أعل من معدل نمو الإيرادات بحوالي 4 مرات. ما لم تتم إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، وضبط الإنفاق العام بما يتناسب مع إيرادات الدولة وإعطاء الأولوية للخدمات الصحية والتعليمية والعمل، وتوجيه النفقات الرأسمالية نحو الاستثمارات المولدة للدخل، والتوقف عن الإنفاق خارج الموازنة الذي يسهم شئنا أم أبينا في إفساد المواطنين وتعميم ثقافة الفساد. ما لم يتم ذلك فإن النيات الحسنة إن توفرت لدى وزارة المالية لم تغير الواقع المؤلم، المطلوب إجراءات ملموسة بخفض الإنفاق العام.
وهنا أود التذكير في البرنامج الاقتصادي الذي تبنته الحكومة عام 2010 حين تولى د. رجائي المعشر رئيس الفريق الاقتصادي، تضمن زيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى 5% و 6% أعوام 2010 ، 2011، على التوالي، وتخفيض صافي الدين العام إلى 58% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2012 ، وكما هو معروف إن الدين العام تجاوزت نسبته 75% من الناتج المحلي الإجمالي. والنمو الاقتصادي راوح حول 2.5%. تكفي هذه المؤشرات للدلالة على مصداقية برامج الحكومة .
مقابل هذه الكوارث التي تواجه البلاد يناقش مجلس الوزراء إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الأزمات..! لماذا الطوارئ ..؟ هل للانقضاض على الحراكات الشعبية ..؟ أم هناك توجه نحو التورط في الأزمة السورية. ومع ذلك يتحدث الرئيس عن انتخابات نزيهة، ماهو معيار النزاهة في ظل قانون الصوت الواحد، وفي ظل الحديث عن قانون الطوارئ، لقد سبق واعلن رؤساء وزراء سابقون ووزراء سابقون عن دفن قانون الصوت الواحد، وان البلاد لا تحتمل تزويرا في الانتخابات القادمة، والحكومة الحالية أعادت قانون الصوت الواحد من القبور.. لم يجمع الشعب الأردني يوما على قضية سياسية بقدر إجماعه على دفن قانون الصوت الواحد.
العرب اليوم