في فلسفة البحث عن حلول بين أرجلنا
جهاد المومني
جو 24 :
القصة الاولى، الولد والمفتاح..
تقول النكتة ان الشرطي مر بولد استضاء مصباح الشارع وراح يبحث عن شيء ما فقده, فسأله الشرطي عما يفعل, فرد الصبي انه يبحث عن مفتاح دارهم الذي أسقطه من يده وأضاعه, فأحنى الشرطي ظهره وبدأ البحث مع الصبي عن المفتاح المفقود, ولما يئس من البحث بلا جدوى سأل الصبي:
- ألا يمكنك أن تحدد بالضبط أين أسقطت المفتاح؟
- بلى - قال الصبي- هناك، وأشار إلى مكان بعيد غارق في الظلام .
جن جنون الشرطي وصاح بالصبي:
- ما دمت أضعته هناك لماذا تبحث عنه هنا إذن؟
-لأن المكان هناك مظلم- رد الصبي بثقة ...
القصة انتهت, وأغلب الظن أنها لم تحرك حس الطرافة لدى الأردنيين, فهو حس راكد كأي قطعة أرض بور في العاصمة لا يتغير وجهها إلا بجارفة عملاقة تأتي على هشيمها, لكن النكتة مع ذلك تثير الفضول وهذا الحس يقظ عند الأردنيين في كل وقت, فالصبي لم يبحث عن مفتاح الدار حيث أسقطه لأن المكان هناك مظلم موحش, ولقد وفر ضوء مصباح الشارع له مكانا بينا وآمنا للبحث عن المفتاح المفقود ولو من قبيل رفع العتب أمام والديه عندما يحين موعد المحاسبة والسؤال, والأمان هنا عامل مهم, أما الشرطي فشاهد لا يشق له غبار على أن الصبي أجهد في البحث عن المفتاح المفقود حيثما توفر له النور والأمان وبالتالي فهو قد قام بما أمكنه, أي أنه تعامل مع الواقع والممكن وبذلك فهو يشبه السياسيين العرب في بحثهم عن الضائع وتعاملهم مع المفقود... انها السياسة بما تحمل من معنى انهزامي (فن التعامل مع الممكن) مع أن البحث في الظلام قد يكون ممكنا باستخدام حاسة أخرى غير البصر، فماذا عن حاسة اللمس يا ترى, ولماذا لم يلجأ الصبي إليها للعثور على مفتاحه المفقود؟
الجواب لم يعرفه الشرطي الذي غادر غاضبا وترك الصبي غارقا في الحيرة والقلق ومضى إلى شأنه دون أن يخطر بباله التساؤل عن سبب آخر لبحث الصبي عن المفتاح المفقود في مكان غير المكان الذي أسقطه فيه.... فهل هو الضوء هنا أم الخوف من العتمة هناك يا ترى.!
في إدارة الأزمات على اختلافها وخاصة في السياسة هناك تكتيك يعرف بالهرب من المواجهة يشبه هبوط درج الطوارئ عندما تشتعل النيران في المبنى, فمن يسبق بقية النزلاء يصل سالما ويصبح في عداد المتفرجين على ألسنة اللهب وهي تلتهم البناية بما فيها, وفي واقع الحياة هناك مثل يقول (يقولوا جبان ولا يقولوا الله يرحمه)، وفي مثل آخر تعبير صارخ عن الانهزامية (الباب اللي بيجيك منه الريح سده واستريح) و (حط راسك مع هالروس وقول يا قطاع الروس), أما أفضل الأمثلة الذي يعبر عن معنى السياسة الحقيقي فيقول (بوس الكلب على ثمه حتى تاخذ حاجتك منه), ولكنها في المحصلة أمثلة تحث على السكوت والإذعان وعدم المواجهة والقبول بالأمر الواقع, وفي نهاية المطاف هي تعبيرات عن الخوف والجبن والتراجع وجميعها نقائض للشجاعة, وليس المقصود هنا الشجاعة في خوض شجار أو حتى حرب, وإنما الجبن في الإقرار أحيانا والاعتراف بمعناه الحضاري غير الجرمي، كالاعتراف بالمشاعر تجاه من نحب أو نكره , وبحقوق الغير وأرائهم وحرياتهم شريطة أن تسبق ذلك خطوة الاعتراف بوجودهم ...
وجهة نظر ,الدبسة هي الحل
البحث عن الفاقد المسبب لأزماتنا تحت نور الشمس هذا هو المنطقي والعقلاني والصواب ولكن ما جدوى البحث عن هذه الحلول في المكان الخطأ, وما الذي يعنيه الإصرار على تجاهل المكان الحقيقي الذي أسقطنا فيه مفاتيح قضايانا والبحث عنها في أماكن أخرى بدعوى أنها مضاءة, وكيف يمكن أن نرسخ ثقافة المواجهة عند الجيل الصاعد ما دمنا نعلمه الطريق إلى درج الطوارئ بأسهم حمراء حتى لا يتوهوا عنها, وما دمنا نرضعهم الأمثلة الشعبية المسكنة...!
الحكومات تبحث عن حلول المشاكل والأزمات في الأماكن المضاءة الآمنة ولكن ليس في المواقع التي أسقطت فيها الحلول, وفي ذلك تطبيق لحرفية معنى الانهزام أمام الواقع, أي تلافي مواجهة الحقائق وربما الديماغوغيا وتفسيرها هنا فن الكذب على الناس الذين بدورهم يثقون بحسهم وحدسهم ويؤمنون بأن كل حكومة تسعى لتمضية وقتها بدون مشاكل ولا مواجهات، وبالتالي فانها تتحاشى الدخول في متاهات الحلول الصعبة حتى لو كانت مجدية، فتمضي إلى أقرب مصباح تستضيئه لتتظاهر بالبحث عن حلول تعرف تماما أنها غير موجودة هناك وإنما في العتمة الموحشة التي قد تلف أخطارا يتوجب على الحكومات مواجهتها بما تعرف واقعيا بالقرارات الجريئة الشجاعة، شطارة الحكومات إذن في تأجيل الحلول عن طريق البحث عنها في أماكن لا توجد فيها, ولكن الديماغوغيا تقتضي التظاهر بالبحث عن هذه الحلول ولذلك تختار بقعة مرئية للناس ثم تنحني وتبدأ البحث, اي الكذب على الشعب وتمضية الوقت ..
.
ترى أيهما أهم في بلد يستورد الملح دعم منظمات المجتمع المدني بالملايين التي تقتطع من المعونات الخارجية مباشرة كل عام أم دعم مربي المواشي بأقل من عشرين مليونا تدفعها الحكومة مرة واحدة , من وجهة نظر وزير حكومي صادق في عمله ومخلص لبلده فان كل رأس غنم يربى في البلد أهم من خبير دولي يتقاضي من الخزينة ما يكفي لإنشاء مزرعة خراف كاملة، ومن وجهة نظر أردني يعرف ما تعنيه الزراعة ومساهمتها في استقلال البلد عن الضغوطات والبهدلة فان حفنة قمح من روابي الأردن أعز من خمسين منظمة غير حكومية تدبج الخطابات والتقارير وتعقد الندوات عن الحريات والحقوق ..
أية حرية بدون خبز بلدي وأية حقوق يمكن هضمها مع خاتم أزرق يلطخ الذبيحة فوق المنسف, ثم أية ذبائح هذه التي تسافر بالطائرات..!!
نصيحة ,رافق الأرنب
تعرف الحكومات أن الأشخاص في مناصبهم لا يكونون المشكلة كل الوقت, لكن السياسات الخاطئة كذلك, فما أهمية أن يكون الشافعي خطيب الجمعة ما دامت وزارة الأوقاف تسلمه خطبة مكتوبة, وما جدوى أن يكون رقيب السير هولاكو وهو لا يملك صلاحية جر السائق الخطر المستهتر على طول الشارع وعرضه, ثم ما الغرابة في انحدار مستوى التعليم ما دمنا أوفياء لدرس (راس روس ..حمير تيوس) فنستهل به تربية النشء, ولماذا نضرب كفا بكف حين لا يكون إعلامنا إعلام دولة ما دامت حكومة سين من الرؤساء تحقد على الصحفيين لأنهم كانوا جماعة الرئيس الذي سبقه...!
وفي المقابل هناك إعاقة تلازم الحكومات عند اختيار الأشخاص, فهي الأقدر على انتقاء الأسوأ من بين الملايين الخمسة وهذه الموهبة ليست بالحدث الطارئ ولكنها جينية متوارثة منذ عهد الإمارة وإلى اليوم قاعدتها انهزامية أيضا لا تعترف بالمثل القائل (رافق السبع لو أكلك) وإنما رافق الأرنب لأنك ان جعت تأكله) ولكم أن تتصورا ما الذي يمكن إنجازه على هذا الأساس..!
نهاية القصة
لطفا فالقصة لم تنته بعد, فقد تبين أن الولد لم يسقط مفتاح الدار ولم يفقده, كل ما الأمر أنه أسقط القلم الذي ذهب ليشتريه من الدكان وظل ممسكا بالمفتاح ويقبض عليه براحته وكل ظنه انه يمسك بالقلم .
*من كتاب (حجاب صغير بحجم راحة اليد )
تقول النكتة ان الشرطي مر بولد استضاء مصباح الشارع وراح يبحث عن شيء ما فقده, فسأله الشرطي عما يفعل, فرد الصبي انه يبحث عن مفتاح دارهم الذي أسقطه من يده وأضاعه, فأحنى الشرطي ظهره وبدأ البحث مع الصبي عن المفتاح المفقود, ولما يئس من البحث بلا جدوى سأل الصبي:
- ألا يمكنك أن تحدد بالضبط أين أسقطت المفتاح؟
- بلى - قال الصبي- هناك، وأشار إلى مكان بعيد غارق في الظلام .
جن جنون الشرطي وصاح بالصبي:
- ما دمت أضعته هناك لماذا تبحث عنه هنا إذن؟
-لأن المكان هناك مظلم- رد الصبي بثقة ...
القصة انتهت, وأغلب الظن أنها لم تحرك حس الطرافة لدى الأردنيين, فهو حس راكد كأي قطعة أرض بور في العاصمة لا يتغير وجهها إلا بجارفة عملاقة تأتي على هشيمها, لكن النكتة مع ذلك تثير الفضول وهذا الحس يقظ عند الأردنيين في كل وقت, فالصبي لم يبحث عن مفتاح الدار حيث أسقطه لأن المكان هناك مظلم موحش, ولقد وفر ضوء مصباح الشارع له مكانا بينا وآمنا للبحث عن المفتاح المفقود ولو من قبيل رفع العتب أمام والديه عندما يحين موعد المحاسبة والسؤال, والأمان هنا عامل مهم, أما الشرطي فشاهد لا يشق له غبار على أن الصبي أجهد في البحث عن المفتاح المفقود حيثما توفر له النور والأمان وبالتالي فهو قد قام بما أمكنه, أي أنه تعامل مع الواقع والممكن وبذلك فهو يشبه السياسيين العرب في بحثهم عن الضائع وتعاملهم مع المفقود... انها السياسة بما تحمل من معنى انهزامي (فن التعامل مع الممكن) مع أن البحث في الظلام قد يكون ممكنا باستخدام حاسة أخرى غير البصر، فماذا عن حاسة اللمس يا ترى, ولماذا لم يلجأ الصبي إليها للعثور على مفتاحه المفقود؟
الجواب لم يعرفه الشرطي الذي غادر غاضبا وترك الصبي غارقا في الحيرة والقلق ومضى إلى شأنه دون أن يخطر بباله التساؤل عن سبب آخر لبحث الصبي عن المفتاح المفقود في مكان غير المكان الذي أسقطه فيه.... فهل هو الضوء هنا أم الخوف من العتمة هناك يا ترى.!
في إدارة الأزمات على اختلافها وخاصة في السياسة هناك تكتيك يعرف بالهرب من المواجهة يشبه هبوط درج الطوارئ عندما تشتعل النيران في المبنى, فمن يسبق بقية النزلاء يصل سالما ويصبح في عداد المتفرجين على ألسنة اللهب وهي تلتهم البناية بما فيها, وفي واقع الحياة هناك مثل يقول (يقولوا جبان ولا يقولوا الله يرحمه)، وفي مثل آخر تعبير صارخ عن الانهزامية (الباب اللي بيجيك منه الريح سده واستريح) و (حط راسك مع هالروس وقول يا قطاع الروس), أما أفضل الأمثلة الذي يعبر عن معنى السياسة الحقيقي فيقول (بوس الكلب على ثمه حتى تاخذ حاجتك منه), ولكنها في المحصلة أمثلة تحث على السكوت والإذعان وعدم المواجهة والقبول بالأمر الواقع, وفي نهاية المطاف هي تعبيرات عن الخوف والجبن والتراجع وجميعها نقائض للشجاعة, وليس المقصود هنا الشجاعة في خوض شجار أو حتى حرب, وإنما الجبن في الإقرار أحيانا والاعتراف بمعناه الحضاري غير الجرمي، كالاعتراف بالمشاعر تجاه من نحب أو نكره , وبحقوق الغير وأرائهم وحرياتهم شريطة أن تسبق ذلك خطوة الاعتراف بوجودهم ...
وجهة نظر ,الدبسة هي الحل
البحث عن الفاقد المسبب لأزماتنا تحت نور الشمس هذا هو المنطقي والعقلاني والصواب ولكن ما جدوى البحث عن هذه الحلول في المكان الخطأ, وما الذي يعنيه الإصرار على تجاهل المكان الحقيقي الذي أسقطنا فيه مفاتيح قضايانا والبحث عنها في أماكن أخرى بدعوى أنها مضاءة, وكيف يمكن أن نرسخ ثقافة المواجهة عند الجيل الصاعد ما دمنا نعلمه الطريق إلى درج الطوارئ بأسهم حمراء حتى لا يتوهوا عنها, وما دمنا نرضعهم الأمثلة الشعبية المسكنة...!
الحكومات تبحث عن حلول المشاكل والأزمات في الأماكن المضاءة الآمنة ولكن ليس في المواقع التي أسقطت فيها الحلول, وفي ذلك تطبيق لحرفية معنى الانهزام أمام الواقع, أي تلافي مواجهة الحقائق وربما الديماغوغيا وتفسيرها هنا فن الكذب على الناس الذين بدورهم يثقون بحسهم وحدسهم ويؤمنون بأن كل حكومة تسعى لتمضية وقتها بدون مشاكل ولا مواجهات، وبالتالي فانها تتحاشى الدخول في متاهات الحلول الصعبة حتى لو كانت مجدية، فتمضي إلى أقرب مصباح تستضيئه لتتظاهر بالبحث عن حلول تعرف تماما أنها غير موجودة هناك وإنما في العتمة الموحشة التي قد تلف أخطارا يتوجب على الحكومات مواجهتها بما تعرف واقعيا بالقرارات الجريئة الشجاعة، شطارة الحكومات إذن في تأجيل الحلول عن طريق البحث عنها في أماكن لا توجد فيها, ولكن الديماغوغيا تقتضي التظاهر بالبحث عن هذه الحلول ولذلك تختار بقعة مرئية للناس ثم تنحني وتبدأ البحث, اي الكذب على الشعب وتمضية الوقت ..
.
ترى أيهما أهم في بلد يستورد الملح دعم منظمات المجتمع المدني بالملايين التي تقتطع من المعونات الخارجية مباشرة كل عام أم دعم مربي المواشي بأقل من عشرين مليونا تدفعها الحكومة مرة واحدة , من وجهة نظر وزير حكومي صادق في عمله ومخلص لبلده فان كل رأس غنم يربى في البلد أهم من خبير دولي يتقاضي من الخزينة ما يكفي لإنشاء مزرعة خراف كاملة، ومن وجهة نظر أردني يعرف ما تعنيه الزراعة ومساهمتها في استقلال البلد عن الضغوطات والبهدلة فان حفنة قمح من روابي الأردن أعز من خمسين منظمة غير حكومية تدبج الخطابات والتقارير وتعقد الندوات عن الحريات والحقوق ..
أية حرية بدون خبز بلدي وأية حقوق يمكن هضمها مع خاتم أزرق يلطخ الذبيحة فوق المنسف, ثم أية ذبائح هذه التي تسافر بالطائرات..!!
نصيحة ,رافق الأرنب
تعرف الحكومات أن الأشخاص في مناصبهم لا يكونون المشكلة كل الوقت, لكن السياسات الخاطئة كذلك, فما أهمية أن يكون الشافعي خطيب الجمعة ما دامت وزارة الأوقاف تسلمه خطبة مكتوبة, وما جدوى أن يكون رقيب السير هولاكو وهو لا يملك صلاحية جر السائق الخطر المستهتر على طول الشارع وعرضه, ثم ما الغرابة في انحدار مستوى التعليم ما دمنا أوفياء لدرس (راس روس ..حمير تيوس) فنستهل به تربية النشء, ولماذا نضرب كفا بكف حين لا يكون إعلامنا إعلام دولة ما دامت حكومة سين من الرؤساء تحقد على الصحفيين لأنهم كانوا جماعة الرئيس الذي سبقه...!
وفي المقابل هناك إعاقة تلازم الحكومات عند اختيار الأشخاص, فهي الأقدر على انتقاء الأسوأ من بين الملايين الخمسة وهذه الموهبة ليست بالحدث الطارئ ولكنها جينية متوارثة منذ عهد الإمارة وإلى اليوم قاعدتها انهزامية أيضا لا تعترف بالمثل القائل (رافق السبع لو أكلك) وإنما رافق الأرنب لأنك ان جعت تأكله) ولكم أن تتصورا ما الذي يمكن إنجازه على هذا الأساس..!
نهاية القصة
لطفا فالقصة لم تنته بعد, فقد تبين أن الولد لم يسقط مفتاح الدار ولم يفقده, كل ما الأمر أنه أسقط القلم الذي ذهب ليشتريه من الدكان وظل ممسكا بالمفتاح ويقبض عليه براحته وكل ظنه انه يمسك بالقلم .
*من كتاب (حجاب صغير بحجم راحة اليد )