"عـُرسٌ مكلوم"

عندما اقترب وقت زفاف "رزق" ، تغير سلوك المختار “ابو مرزوق”، فمعاملته الجافة اختفت وحلت محلها خصال لم يعهدها اهل القرية من قبل :الطيبة والسماحة والبشاشة وحسن الضيافة لا بل انه اصبح كريما واعفى بعض الفلاحين من الفوائد المتراكمة على قروضهم.

تحول ابو مرزوق بين ليلة وضحاها الى حمل وديع متدلي الاذنين ياكل الخس بدل لحوم الناس واختفت اسنانه التي قضمت رزق الكثيرين واورثتهم العوزة والفقر. وبقدر تفاجئهم بوداعته فقد بقوا غير مطمئنين له وظلوا حذرين الجانب منه.

قبل "العرس" باسبوعين قرر اهل القرية مجتمعين مقاطعة العرس وعدم المشاركة بالسهرات او اي فعالية من فعاليات العرس سواء "الدبكات" او "السامر" او حتى يوم الغذاء ، وبالرغم من بطاقات الدعوة باهظة الثمن التي وزعت عليهم والتي تجملت باحرف ذهبية كتب عليها:

"دعوة لحضور حفل زفاف ابن مختار المخاتير
"رزق" وكريمته المصونة "اكتمال"
وذلك لتناول الغذاء في بيت والد العريس المعروف لديكم
حضوركم يشرفنا ويزيد ابتهاجنا وهو واجب وطني
سيتخلل العرس مفاجأت وهدايا فلا تترددوا
ملاحظة: لا تقبل اي اعذار لعدم الحضور
تبدأ السهرات يوم الاحد واطلاق العيارات النارية وحضور الاطفال مسموح .
ودامت الافراح حليفة دياركم

الا ان احدا من اهل القرية لم ينوي الذهاب الى عرس المختار.

ادرك "ابو مرزوق" نية اهل القرية مقاطعة العرس والتي ستشكل طعنة له امام مخاتير القرى الاخرى الذين يحسبون له الف حساب ، ولذ فقد اعد خطة لجعهلهم يعدلون عن قصدهم الشائن فاشاع في القرية الاتي :

اولا : سيدعى للحفل وزراء واعيان ونواب حاليين وسابقيين بالاضافة الى بعض اصحاب العطوفة والسعادة .

ثانيا: سيحيي الفنان "عمر العبداللات" الليلية الاولى كبداية وسيطلق البوما جديدا بعنوان : ابومرزوق والمطر ، ومن المحتمل دعوة نانسي عجرم وهيفاء وهبي في الليالي المتبقية.

ثالثا: ستوزع على النساء في الحفل "مطبقانيات" " تحتوي على ذهب "عصملي" اما الرجال فسيتم اهدائهم "عباءات" مطرزة بالحرير .

رابعا: سيكون الغذاء بوفيه مفتوح ومن اجود اصناف اللحوم البلدية .

ولم يكتفي ابو مرزوق بهذا القدر بل جند زوجته " حفيظة" للقيام بجولة مكوكية بين نساء القرية لتوزيع بعض المؤن والمخللات وعلب الجبن والمكسرات الفاخرة.

وقام هو شخصيا بزيارة الفلاحين لبيوتهم ومجاملته لهم واطمئنانه عليهم، لا بل انه شاركهم مرة في قطاف الزيتون.

لم يفلح ابو مرزوق برغم كل محاولاته ان يوصل عدد من قبلوا "العزومة" الى عشرين شخصا ، ستكون طامة كبرى اذا جاء وقت الزواج ولم يصل العدد الى مئتي رجل على الاقل، سيفقد هيبته وتزول شعبيته الى غير رجعة.

امتعظ ابو مرزوق لسلوك اهل القرية وقرر استخدام اسلوبه الاخر فجمع ابناء اخوته "مهاوش" و"متعب" و"صقر" و"مجحم" ووزع عليهم "قناوي" وامرهم ان يحاولوا اقناع اهل القرية بالحسنى فان رفضوا فالبادي اظلم .

اما من ناحيته فقد هدد المديونين بابراز "الشيكات" المكشوفة بلا رصيد "والكمبيالات" المستحقة واستخدامها لسجنهم اذ استمروا بعصيانهم عن حضور الزفاف.

ولكن نية الفلاحين للحضور لم تتغير وقلة فقط هم الذين اعلنوا نيتهم للمشاركة.

بعد عناء اسبوع ونصف من الترغيب والترهيب بلغ العدد خمسون فردا معظمهم من رعيان القرية العطالى وعمال المزارع المأجورين وبعض الباعة المتجولين ممن انتهزوا هذه المناسبة لترويج بضائعهم ، ونسوة مجهولة لم تعرف حتى اسمائهن.
في يوم الزفاف ، جلس نفر قليل من المدعوين الى جانب ابومرزوق، كان "يهذرم" بلغة لم يفهم احد معناها.

لم يحضر الحفل اي وزير او عين او نائب و لم يوزع الذهب "العصملي" على النساء ، ولم يغني "عمر العبداللات".

كانت فقط اصوات "صراصير" الليل تعتلي المكان وعواء كلاب مشردة انتظرت طويلا نيل حصتها من غذاء لم يطبخ بعد.


naeladwan@gmail.com