"مداقره"

في دولة مثل اليابان الشقيق فإن تأخير دقيقة للمترو أثر عطل فني -لا سمح الله –من الممكن أن يعطل مدينة بأكملها، ويصيب حركة السير بإرباك وفوضى، وقد يتسبب بحوادث سير وتعطيل مصالح اقتصادية، وتأخير شحنات تجارية ضخمة وخسارة ملايين (الينات)، وستكتب الصحف عندها عن التقصير وستقوم الدنيا ولا تقعد، ولربما تدخّل رئيس الوزراء (شنزو أبه) شخصياً بخطاب اعتذار للشعب عن هذه "الغلطة الشنيعة "، وتكون الحادثة نقطة سوداء في تاريخ الحكومة لعقود قادمة.
ولكن، هل يتأخر المترو فعلاً؟
حتما لا! فالدقيقة ثمينة هناك، والوقت يقيم باحترام ولا يناقش اثنان بخلاف ذلك.
منذ مدة وحديث شائك قض مضجعنا وأرق نومنا عن مطالب بتقديم الساعة وموقف الحكومة المتشدد من التقديم وإصرارها تثبيت التأخير بحجة توفير الطاقة، وكأننا فرغنا حلاً من كل المشاكل الأخرى ولم يعد يؤرق يومنا وهمّنا غير قصة الساعة العالقة بيننا وبين الحكومة، فأصبحت سيرة التأخير على كل لسان وغدا الموضوع كما يقال عنه بالعامية " مداقره"، فلو كان طلب الشارع التأخير فستصر الحكومة على التقديم ولو كان هَمّ المواطن التأخير "فستداقره" الحكومة بكل راحة بال وتؤخر الساعة، وإن صمتَ هو راضياً فإن الحكومة ستستشيره بذلك وعندما يعطي رأيه ستعمل عكس ذلك.
ولا افهم ما الذي يضير حكومتنا الرشيدة إن أخرت الساعة يوماً أو قدمتها اسبوعا كاملا، أو حتى لو أوقفت "تكّاتها" كلياً عن الحركة، أو طاردت عقاربها واحداً تلو الاخر "وفعستهم شر فعسه". ما الذي ستخسره لو أضرب الناس عن استخدام الساعات بجميع أنواعها؟، أو حُرّم ارتداؤها في الشارع والمكتب والبيت ووقت الأزمات والاجتماعات والأعياد والأعراس، وصار الوقت مهملا كيتيم فقد والديه!.
هل ستتوقف حركة الانتاج والمصانع والقطارات والبواخر في محافظات العاصمة؟. وتتضرر البورصات جراء ذلك، وتغلق المناجم أبوابها وتمحل المزارع، ويقلع الطلاب عن دراستهم وعلماء الفلك عن اختراعاتهم والشعراء عن قصائدهم، هل سينهار الاقتصاد وتتكدس البضائع وتعلن البنوك إفلاسها ..!
هل سيحصل ذلك لا قدر الله؟..
حتما لا!... فالوقت هنا يتم قتله لا استغلاله.
فبالله يا حكومة، اقسموا هذه الساعة " بالنص" بيننا وبينكم.
ويكفي، يكفينا "مداقره".