jo24_banner
jo24_banner

"بع الجمل يا علي"

نائل العدوان
جو 24 : بع الجمل يا علي!.
قالت ثم انكمشت نحو الجهة التي أناخ الجمل بقربها.
"بعه، واشتري مهراً جديداً، فما حاجتنا إلى جمل كهل ورثته عن أبيك.
لعبت الفكرة برأسه قليلا، وأعتدل في جلسته ثم أمعن النظر بالجمل.
هو كهل قليلاً، لكنه آخر ما تبقى من رائحة الأب، هل ندع سيرته جانباً يا امرأه. ثم، ألا تخشين مما ستقولة القبائل عني؟. سيظنون بي الظنون وسأكون لقمة سائغة بأفواههم، قال ثم مسد بحنو فوق رأس الجمل.
لكنها عاودت الكرة مرة أخرى:
ستسابق الريح بمهرك الجديد، ستفقأ عيون الحاسدين، ثم ان أباك قد مات والناس ما عادت تكترث لما نفعل، والفقر اشغلهم وفرقهم وأعمى عيونهم، بع يا رجل ولا تفكر بشيء آخر.
أعجبته الفكرة هذه المرة، وأحس بخفة من ثقل خوف جثم فوق صدره لسنوات عديدة، خوف ارتبط بوجود أبيه، ذلك الرجل الذي كانت تخشاه القبائل وتحسب له ألف حساب.
أنتفض من مجلسه نحو الجمل المربوط، وحل قيده، ثم مضى به الى سوق الجمال.
فرحت كثيراً بالمهر الجديد، ولامت عليه خوفه المتكرر من فكرة البيع، فالقبائل متناحرة وضئيلة، وتوفر المال من البيع سيأمنه شرورهم وانقلابهم عليه.
بع القطيع يا علي، فهو يستنفذ الجهد والوقت، انت سيد هذه القبائل ولا بد أن تسكن ببيت أوسع ويلزمك مال جديد، قالت وابتسامة تعلو شفتيها.
لم يؤنبه ضميرة كما في المرة الاولى لكن كلمات ابيه بالحفاظ على الملك جالت برأسه مراراً قبل أن يقتنع بفكرة البيع وينصاع الى رأيها ويتخلص من القطيع، باعه دون أن يرمش له جفن، وإمعاناً باللامبالاه فقد أولم لكل أهل القبيلة وحفهم بالضيافة ببيت شعره الجديد الذي اتسع للجميع.
كان علي مخلصاً في البيع، دقيقاً في اختيار الوسطاء، كريماً في صرف المال، باع كل ما وقعت عليه عيناه: الطريق الوحيد المؤدي للبلدة، الصخور الجاثمة في أعلى الجبل، عيون الماء الغائرة في السهل، كهوف الأجداد وذكرياتهم، أعشاش الطيور، حتى أغاني الاطفال الحزينة باعها علي بإتقان شديد.
تبّدلت أحواله غناً وزاد فقر الناس من حوله، خاصة عندما تراكمت ديونهم، وارتهنت اراضيهم وطغى هو وزوجته ببيع باقي املاك القبيلة لغرباء لا يعرفونهم. كان العوز قد شتت شملهم وغمرهم الجوع والعطش.
خرجوا عن طورهم عندما باع أخر شبر في البلد.
تغير لون وجوههم ثم اعتصموا على قارعة الطريق أمام بيته، نظروا لاجسادهم الكالحة واستعاذوا منه ومن زوجته التي جلبت الفساد، ربطوا تعاويذ حول رقابهم وكتبوا فيها كرههم الشديد له، كبلوا اصابعهم ورفعوها بوجهه، ثم هتفوا بثورة تأخذ شره وتحصنهم من ألاعيبه:
ارحل ، لقد ملت قلوبنا منك، وجاء وقت الخلاص.
سمعهم من مجلسه، ضحك بصوت عال، أطلّ من شق بيته بفخر وزهو مصطحباً زوجته، بدا واثقا من نفسه ممتلىء الكرش، سدد سهام عينيه نحوهم فتدثروا بصمتهم.
رمى قطع النقود بوجههم فتفرقوا كثغاء سيل، رمى مجددا ًفتحرشت بأعينهم جمال طلعته، تفرسوا به والتقطوا النقود كغربان جائعة، فركوا عيونهم، فكان نجماً يداعب الأبصار، التقطوا المزيد فصار بدراً، جثوا على ركبهم فاستحال لشمس تخشع القلوب. تسربلوا حول بعضهم البعض كعجين لم يختمر بعد..
عفن، تفوح رائحته ولا يخبز ولا يؤكل ولا يباع.
هتفوا بصوت يعرفه جيداً: بع يا علي كما تشاء، بع، عليك السلام.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير