السماء تمطر بارودا
الى روح الطفل احمد عمر العدوان
أحمد..
الطفل الذي اختطفت حياته طلقة (طائشة) في ليلة العيد كان منهمكاً باللعب أمام بيته، أمطرت السماء عليه ناراً مجهولة بدلاً من هدايا العيد، كان منشغلاً بأغاني طفولية صغيرة وقتها، لربما أغنية عن العصافير الحنونة التي صرخت وقت مقتله، أو أغنية عن الأشجار التي ظللت روحه (الطرّية)، كان مسجى تحت شجرة زيتون، عيناه تعاتب من حوله: أن يا أهل البنادق، يا من تطلقون فرحتكم نيرانا في قلوب البشر، انظروا ماذا فعلتم بي!.
أربعة عشر خريفاً لم تكتمل، هي عمر أحمد، الذي خانته طفولته، ومزقت طائرته الورقية طلقة غامضة بلا معنى، وتساؤلات بلهاء عن مصدر الطلقة ونوعها ومنشأ السلاح، وتنهيدة جوفاء من حرقة الألم التي لا تسعف المكبوت في الصدر، وتذمر أرعن ممن يطلقون النار بشكل مجاني ليفرحون بموت غيرهم. أربعة عشر خريفاً أسدلت، لام ثكلى بابنها الذي مات لأسباب لا تعرف كنهها، ترك السلاح الفاحش لابنها علامة في تجويف صدره، بين تلابيب قلبه الصغير فحزّ قلبها، ثلاثة عشر شتاءً فقط، هي من أعطيت لأب ارتمى فوق جسده طفله، انحبس الدمع في قلبه متسائلاً : لماذا ؟، كيف؟، هل ينبغي ذلك يا احمد؟.
لا، لا ينبغي ذلك!، ولا في أي شريعة في هذا الكون.
يا أصحاب البنادق المدججة!، يا من قتلتم احمد ، وتقتلون احمدا جديداً كل يوم، كم تحتاجون من الضحايا لتدركون جسامة خطاياكم، وبؤس فرحة بنادقكم التي لا تميز (الصالح من الطالح)، كم ستزهقون أرواحاً بريئة حتى تستفيقوا من غيمة الوهم الذي يربض فوق صدوركم وتدركون أن الفرحة قد تكتمل بدون بارود وبدون إطلاق للرصاص، فالرصاص في بلدي ما زال حياً لكن أحمد قد مات.
أحمد، يا طفلي المدلل، يا من كمد القلب من فراقك، إبتعد قليلا عن ساحة البيت.
فقد تمطر السماء باروداً اسوداً.