jo24_banner
jo24_banner

قانون الانتخابات.. خطوتان إلى الوراء

سارة محمد ملحس
جو 24 :
لا يمكن إنكار حاجة الوطن الماسّة والملحّة لجميع إجراءات الإنعاش القصوى للخروج بالبلاد ومواطنيها من عنق الزجاجة الذي أصبح طويلا جداً، فمرونة التشريع مقابل التطوّرات المحليّة والإقليمية أضحت أساسية جدّاً لتشكيل مناخ سياسي صحي شديد اللزوم في الأردن. ولذلك فمن المفترض أن يكون مشروع قانون الانتخاب الجديد في إطاره العام كغيره من مشاريع القوانين، هدفه ابتكار الأدوات الأساسية للتعامل مع الظروف الحاليّة الضاغطة على كل الأصعُد في الوطن، والمساعدة على التخفيف من الأزمات والاختلالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي نتجت عن قانون سابق جعل من الصوت الواحد تاريخاً كاملاً من ولاء فردي صريح لسلطة اجتماعية عشائرية أو جهوية مهيمنة، وربما بشكل أعم تسهيلاً لكم من الولاءات غير الموضوعية، حتى أصبحت هذه التوليفات الجامدة مصدر تأكيد الهوية الشخصية ومبعث اطمئنانها، لتكون المحصّلة برلمانات متعاقبة مهجّنة من الصيغ شبه السياسية وجماعات مؤتلفة على أساس المصالح الفردية لا الأجندات الجمعية الوطنية.

ولكن، وبعيدا عن فزاعة قانون الصوت الواحد، فإن إقرار الطرح الحالي لقانون انتخابي مشوّه بكواليس تحضيرية صُوَرِيّة يقودنا دون أدنى شك إلى أعتاب مرحلة سياسية صريحة الاتجاه عنوانها الشرذمة والتشتيت على مستوى الوطن كاملاً. فما يُروَّج له على أنه ضمانات تكفل حق التمثيل للقوى الصغيرة؛ ما هو كما يورد في التفاصيل الآتية إلا تصريح واضح للأجهزة والسلطات المهيمنة في البلاد برفض الإصلاح السياسي الحقيقي، ودعم الفرد المتنفذ على حساب النظام الحزبي أو -إن شئنا الدقة- التوجه البرامجي الحامل لهامش إطار أيدولوجي وهو أضعف الإيمان:

فأولاً: قرار مجلس الوزراء -كونه صاحب الاختصاص الدستوري- بتفتيت الدوائر الانتخابية في المدن الكبرى الثلاث في المملكة (عمان وإربد والزرقاء) إلى عدة دوائر انتخابية هدفه الأوضح تحجيم المكوّن الحزبي المحتمل الوحيد المتبقي على الساحة والمتمثل بحزب جبهة العمل الاسلامي،، وحرمانه من إمكانية الاعتماد على قواعده الشعبية في المحافظات الثلاث المذكورة وبالتالي إفساد احتمال حصوله على أي ثقل وازن في أي برلمان يفرزه القانون المذكور لصالح المكوّن الجهوي أو العشائري أو رأس المال أو جميعهم معاً، وذلك توافقاً وإذعاناً للتوجهات الدولية المصرّة على رفض أي وجود فعلي لتمثيل إسلامي صحّي في المنطقة، حتى وان كان معتدلاً. وفي هذا الأمر يظهر التخلّي عن المكتسب التاريخي للدولة الاردنية بقدرتها الفائقة على استيعاب الأحزاب الاسلامية على مدى عمر الدولة. وهي بالمناسبة من أهم الأدوات لمقارعة الاٍرهاب عن طريق الاستيعاب وليرمى كل هذا التاريخ العاقل لصالح إقصاء غير مبرر بالمرة. الكيمياء على الأقل تؤكد أن الوسط (القاعدي) لا يعطَّل إلا بوسط معتدل من ذات الخليط..

ثانياً: القائمة المغلقة المفتوحة المفتقدة لشرط العتبة من الأصوات تُخرِج هذا القانون كإجراء تجميلي فاشل لقانون الصوت الواحد، والذي بالضرورة سيكون نتاجه إفراز قوائم شكلية خالية من الأجندات ترتكز إما على الأساس الفردي الذي يحيي فكرة رأس القائمة القوي مما يعزز التنافسية الفردية حتى بين أعضاء القائمة نفسها، أو قوائم أخرى معاكسة تماماً تعتمد على تحالفات قوى المال والأعمال وما يرافقها من شبهات مال سياسي أو مال جاه سياسي إن شئنا التجميل. وثالثة عشائرية مهيمنة هدفها بروز مجتمعي ناتج عن هبة عاطفية غير تنظيمية.
ثالثاً:عدم السماح للناخب بالتنقل بين القوائم المتنافسة بالدائرة الواحدة وإلزامه بقائمة محددة يختار منها جميع مرشحيه بشكل مغاير لقانون ٨٩ (الملعون الآن من قبل المطبلين لهذا القانون)، وبالتالي ضمنياً القضاء على موضوعية الصوت وحصره (مرّة أخرى) بأولوية العشيرة والمنطقة ورأس المال، بحيث لن يكون من الممكن إلاّ إفراز نتيجة تحاكي وتماثل نتيجة قانون الصوت الواحد مهما تعدّل التشريع.

رابعاً: إلغاء القائمة الوطنية -بدلاً من تطويرها- وبالتالي صعوبة أو استحالة تشكيل كتل / قوائم من معارضة ذات ثقل، وطنيّة الأهداف والتوجهات أو حتى من أفراد معنويين بمصداقية عامة على مساحة خريطة الوطن، بالذات في إطار التفكك السياسي للبناء الحزبي المثقل بالبيروقراطية، وتحوّل اليسار الأردني إلى ظاهرة صوتيّة غير مؤثرة، بعد ذوبان نواة حراك الشارع الغضّ الذي جمعه موقف ولم تجمعه الأيدولوجية الوطنيّة الشاملة. فعلى قاعدة الكتلة المحلية المطروحة فقد باتت إمكانية الجمع بين أصوات مسموعة ذات منهج وطني ثابت واضح في قائمة واحدة تشكّل ثقل مجتمعي وأخلاقي في آن واحد نادرة غاية الندرة ، فذلك يحتاج إلى عناصر محددة جداً لهامش نجاح، وتتلخص في توافق فكري مبادئي ضمن إطار الدائرة الواحدة، مدعوم بقوى تمويلية نظيفة حيادية الموقف لتمكّن هذه القوائم من ممارسة اللعبة الانتخابية بحرفيّة ولأهدافها الحقيقية بعيداً عن أية مكتسبات شخصية أو بصمات حكومية. وضمن هذه المعطيات وبهذا التفنيد من الأجدر القول أن الهامش الحالي الضعيف لليسار الوطني الحقيقي ينحو للذوبان والاختفاء بلا عودة.

وبما ذُكِر فإن اعتماد السلطة التنفيذية الحاليّة أسلوبها الدائم في التعاطي السطحي مع النتائج دون المعطيات، هذه المرّة بالمشروع المطروح، وإتّباعها النمط الإحلالي لمعالجة حالة الاحتقان العام في البلاد بإجراءات -تسريعيّة جدّاً- بهدف التخلّص من الصورة الملوّثة ورمي كامل المسؤولية على المواطن الأردني، لن يمكّنها أبداً من أن تتقاطع مع الشعب عند أيّ نقطة تلاقي تخفف ولو بشكل بسيط درجة لا-ثقته في الرؤيا الحكومية وإن كانت ثقة نوّابه جاهزة على المقاس دائماً. فغياب عوامل البناء الاصلاحيّة بجميع أشكالها ستزيد بالضرورة من اللامبالاة التي تشين موقف الأغلبية من الشعب اتجاه الشأن العام مقابل التركيز على هواجس الأمان الشخصي.

إنّ الوضع الأردني الراهن بحاجة لمشروع اصلاحي شامل لا يختزل الأزمة (الممتدة) باجراء مُربَك (ومفبرك) لأحد أسبابها، وإنّما يعمل على معالجة آثارها جميعاً بشكل غير إنتقائي بعيداً عن (المراوغة السياسيّة)، ورجوعاً إلى نظام دولة متماسك سليم ورشيد وسديد، مستَمَد من بناء مؤسساتي صلب يكون من شأنه تصحيح مفهوم قانون الانتخاب وأهدافه لا طريقته فحسب، بما يكفل حماية البلاد من تفكُّك مستتر تحت غطاء تحالفات مناطقية بجوامع الدم والجاه، وهي المفرِّقة غير الجامعة وكفيلة بتشويه المشهد الوطني بشكل دائم.
 
تابعو الأردن 24 على google news