الدولة الأردنية بين غضب حادٍّ وغضبٍ مزمن
سارة محمد ملحس
جو 24 :
إن كان الاختلال في منظومة (تنفيذ القانون) هذه المرة استدعى ردّ فعل سريعٍ جازم غاضب من الطرفين ((الأثقل وزناً)) في الدولة الأردنية،، ألا وهما الشعب والقيادة، فلعلّ من التمنّي أن يُحفَّز هذا الغضب -برغم جدليّته- إيجابيّاً اتجاه الاختلال في كلّ المنظومات الأخرى.
هذه المنظومات التي وإن كانت بأطرها العامَّة هي تحت السيطرة الدعائية من قِبَل الحكومة،، إلاّ أنّ للفشل في إدارة تفاصيلها كلّ العواقب الوخيمة، ولو بعد حين، وأعتمد في استنتاجي هذا على خطوط الربط الواضحة بين الأحداث المحيطة ونتائجها.
فاضطرار القيادة للتعامل المباشر مع المواطن وأزماته بأسلوب (صريح وجديد) لتدارك الفراغ المُستحدث بسبق إصرار من مراكز السلطة اتجاه باقي أقطاب المعادلة؛ هو إعلانٌ واضح أنّ الخطأ الجسيم الذي لن يغتفر لأيّ مسؤول حكومي هو أوّلاً افتراض ضعف الشعب المرهق جدّاً؛ وثانياً عدمُ افتراضِ احتمالية صحواته؛ والتي وإن كانت تلقائية فهي غير عبثيّة مطلقاً، فهذا الشعب حتى وإن اختار الاتّزان في زمن المِحنة إلاّ أنه لم ولن يكن أبداً ساذجاً بلا كرامة، كما تثبت الأحداث.
إنّ السلطة التنفيذية خلال فترتي تكليفها اعتمدت سياسة الموقف الهلامي، والتعامل مع النتائج وليس المعطيات في كلّ الأمور الداخليّة والخارجيّة الحسّاسة، دون اعتمادها أي آليّات ومناهج واضحة لتفادي تضخّم (الأزمة الشاملة)، حيث أنها اكتفت بالتركيز على شمّاعة الوضع الاقتصادي (المائلة بوضوح)،، وذلك لتتمكن من تبرير نصيبها من الخطأ بأنه ذاته نصيبها من الصواب، على اعتبار أن الحمولة الثقيلة الموروثة من سابقاتها هي التي تساوي كفتيّ احتمالات النجاح والفشل.
فانتشاء الحكومة ممثلةً برئيسها بالانجاز الوهمي وإقناع النفس بالسيطرة على المشاهد جميعها، هو بعيدٌ كل البعد عن أي نتائج شبه حقيقية؛ تتيح مجالاً لابتكار الأدوات المنطقية الأساسية للخروج بالبلاد ومواطنيها من "عنق الزجاجة" الطويل جداً. فالحكومة المنتشية هي ذاتها الحكومة التي لم يعد بوسعها أن تتقاطع مع الشعب عند أيّ نقطة تلاقي تخفف ولو بشكل بسيط درجة لا- ثقته في الرؤيا الحكومية وإن كانت ثقة نوّابه جاهزة على المقاس دائماً.
ولكلّ ذلك يَكُونُ ترميم العلاقة اللازم والمُلحّ بين مكوّنات النظام في الدولة الأردنيّة يتطلب تحويل الأزمات المحليّة إلى فُرَص إصلاحية شاملة تخرج بالشعب، المنحوت من عمق أزمات الوطن، من حالة الإنهاك المزمن وأيضاً من حالة تجاهله واعتباره حمولة زائدة. وبالتالي إعطائه، أي الشعب، فرصة جذريّة لإعادة صياغة علاقته بثوابته، بعيداً عن الانفعال الذي لا ينوب عن الإنجاز على الصعيدين الفردي والوطني.
فإنّ الجهل بدروس السياسة قديمها وحديثها رفاهيّة لا نستطيع التذاكي بالزعم بامتلاكها.