jo24_banner
jo24_banner

الجامعة الأم: قطاف الخبرة

سارة محمد ملحس
جو 24 :
وإن كان لاختيار طلاب الجامعة الاردنية نشيد (موطني) لتتويج إنجازهم، بإحقاق الحق بعد أن كانوا طلاّبه، رمزية عفوية صادقة، إلا أنه مشهد يدعو رغماً للتوقف عنده، بما يحمل من بعد حقيقي مجرَّد مُجَسِّد لما حصل؛ فهو بدون أدنى شك: إنجاز للوطن ولا خاسر فيه ربما للمرّة الأولى.

فما بدأ كإعتصام للمطالبة بإسقاط قرار برفع جائر لرسوم برنامجي الموازي والماجستير، انتهى بإخراج نموذج صحي لم نعتده سابقاً من التفاعل الإيجابي بين المواطن وأصحاب القرار، مما يتطلب بإلحاح التأمل للاستيعاب، وأخذ العبر الإيجابية (لمن أراد حقاً ذلك). فالخلاصة التي لا مجال فيها للقولان هنا هي أنّ إرجاع الأمور إلى نصابها في الوطن وفسح المجال للبدأ بمسيرة إصلاحية حقيقية، لا يمكن أن يتحقق بدون تضافر جهود كافة مكونات المجتمع المدني مهما كانت انتماءاتهم وتوّجهاتهم.

ففي خضّم تخلّي السياسيين المفضوح - إلا من رحم ربي - عن المصلحة العامة وعن المحاسبة والتزام واجباتهم الأخلاقية والدستورية، استطاع هذا الحراك الطلابي أن ينقل تعبيره عن حالة عدم الرضا والرفض من الحيّز الخاص وحَمَلها إلى الحيّز العام دون أن يتخلّى عن الإطار النظيف لمطالبه، التي اتّسمت (بضبط الأجندة وواقعية السقف)، فكان مصرّاً وبشكل مقصود وبنية مبيّتة حميدة على المحافظة على محدوديّة تأثير الاعتصام على الأداء اليومي الجامعي، والبعد عن منهج "التخريب بحجّة الإصلاح". مبدياً مناعة شديدة في وجه التيار الإسلامي، صاحب الشعبية الكبيرة، والاستيعاب الدمث لأسلوبه الاعتيادي التقليدي والمحفوظ، بمحاولة تقمص الحراك الشعبي لتحقيق مكاسب سياسية خاصة به وتوظيف المخرجات بشكل يخدم مصالحه في المقام الأول. فلم يسمح الطلاب وممثيلهم (بالرغم من وجود خلفيات سياسية جدية لدى معظم قيادات الاعتصام) لأي جهة كانت باختطاف الموجة وتسييسها أو التغنّي باستحقاقاتها، حتى وإن كانت تلك الجهة هي اليسار (المحدود الكوادر والمتقن الخطاب )، والذي بدا صوته واضحاً ربما بهدف استرجاع مكانته الضائعة على الساحة الأردنية وقدرته على التأثير فيها.

وبدون أدنى شك فإن قرار رفع الرسوم بهذا الشكل اللامنطقي ما هو إلا قمة لجبل جليدي ضخم من قصور متراكم في أساليب إدارة الأمور واستقراء المعطيات واستشراف النتائج، بشكل يلخص حالة عامة شاملة من عجز الحكومة ممثلة بمؤسساتها عن إيجاد أي حلول جذرية للقضايا الوطنية، بعيداً عن كاهل المواطن المسكين وجيبه المثقوب. إلا أنّ هذه المرّة لا يمكن التغاضي عن الإشادة بالأسلوب المختلف الذي اعتمدته الدولة وأجهزتها في التعاطي مع الحدث، بشكل يمكّننا إذاً من القول أن الخبرة المكتسبة من أحداث جامعة اليرموك عام 1986 قد آتت أكُلها فعلاً، ناهيك عن خبرة الجوار العربي المرعبة والحابسة للأنفاس والجاثمة كوحش بغيض، ليس في عقل النظام فحسب بل في عقل الطلاب أيضا برصانة ورزانة تستحقها خبرة الجامعة الأم . فما بدا في بداية الأمر تجاهلاً تامّاً للأزمة ومعطياتها اتّضح على أنّه حكمة لم نعتدها سابقاً تمثّلت بالاعتماد على أصحاب الاختصاص والمسؤولية من مجلس أمناء الجامعة الأردنية ورئيسها لإدارة المفاوضات مع الطلاب بشكل مباشر، في كنف حوار منطقي علني، لم تعلق به شوائب الإعلام من محاولات لتهويل وتضخيم الاتهامات المتبادلة بين الأطراف ذات العلاقة، برغم تحريض قوى الشد العكسي المصطادة في المياه العكرة. فكانت النتيجة استجابة إيجابية للمطالب - حتى وإن كانت انتقائية - بدون دوافع سياسية أو فوقية وبدون تأثير مباشر لحالة الاستقواء بالنفوذ الوقح، أو التدخلات الحكومية غير المبررة والتي اعتدنا عليها في هكذا مقام.

فلا جدل إذاً أن التأثير الذي خَلُصَ إليه المشهد لا يمكن أن يكون أُحاديّاً بسيطاً محصوراً في قرار خفض الزيادة على الرسوم. فما أبداه الطلاب أبناء الوطن من تجاوز للذات بهدف البناء والإصلاح للمستقبل لا بد أن يشكل خطوة قياسيّة باتجاه تحوّل أكبر وأشمل على مستوى الوطن، تحوّلاً من شأنه دفع صاحب القرار للاهتمام بالمزيد من المدخلات القادمة من أفراد المجتمع العاديين باعتبارهم بالمنطق البسيط الطرف الوحيد الثابت في المعادلة الوطنية.

سارة ملحس
Me@sarahmalhas.me
 
تابعو الأردن 24 على google news