ثقافة الكره المجاني.. لروح شادي أبو جابر
سارة محمد ملحس
جو 24 :
"الكره المجاني باهظٌ جدّاً" في ذلك الحين وفي عمريَ الصغير لم تكن أدواتي العقلية تساعدني على فهم هذا الردّ من قِبَلِ أبي (صديقي وفخري)، عندما كان يرفض أن ينحاز لي ضد أخي برغم وضوح حركاته المستفزة آنذاك، والمحبّبة إلى قلبي جداً الآن.
"اكرهي المواقف ولا تكرهي الأشخاص" قال كلّ مرّة عند تعبيري عن أي شعور سلبيّ اتجاه أي شخص قريب أو بعيد، كبير أو صغير.....ومع الأيام بررّتُ سياسة رفض الانحياز تلك وصرامة الردود اتجاهي أنا -مدلّلته وصديقته- بررتها على أنها سياسةٌ دبلوماسية في سبيل تحقيق النظام والانسجام العائلي ليس إلاّ....
إلا أَنّي لم أفهم حقاً أنّ "الكره المجاني" ثقافةٌ حقيقيّة موجودة، ثقافةٌ جوهرها سوادٌ ظالمٌ مظلم، وإطارها سياسةُ الفكرةِ الوحيدة... فنحن كلنا خفنا شرور ثقافة الغاب الخارجيّة ولم ننتبه أنّ الخطر من الممكن أن ينبع من دواخلنا نَحْنُ أنفسَنا، لم ندرك أن الكره إن وُجِّهَ إلى النفس لن يكون إلاّ مجانيّ الممارسةِ باهظَ الثمنِ.....
إلا في الأمس؛؛؛ في لحظةٍ محزنة جدّا متمثلة في فقدٍ مفاجىء مفجع لروحٍ صغيرةٍ غادرت للأبد، وفي عائلة مكلومة للأبد، وفي ثقافةِ كرهٍ مجانيّة آخذة في التفشي البشع في مجتمع لم يكن في الأمسِ القريبِ فيه (آخر)!! بل كنّا (كلنّا نحن) وكنّا (كلّنا الآخر)!!
في الأمس كانت المشاعر الانسانية تحظرها السياسة والأصل والملّة وكلّ علامة فارقة بيني وبينكَ وبين أيّ شخصٍ آخر... في الأمس عندما رفض(نا) الترحم على روح واحدٍ منّا بحجة الاختلاف؛ أيقنتُ أن مفهوم التعايش أُوجِدَ ليخلِقَ التفرقة، وأدركت أنّ كلّ كلّ النبل يكمن في التصالح مع النفس وقبول الآخر، وشتانٌ ما بين القبول والتعايش.... فالأوّل اعترافٌ بالآخر؛ والثاني يعزّز الفرق ويضعه بين كفتيّ القبول والرفض....
الكره المجاني المحلّي فلسفةٌ مخيفةٌ آخذة بالتصاعد (إلى غير رفعة). فهي بلا شك شرٌّ يمزِّق الوحدةَ أو يعطُبُها أو يُعوقُ وجودها... لذا لا بدّ من تفكيك الحدث -أيّ حدث- وإرجاعه إلى بعده الإنساني ...فقبل أن تطلب فتوى للترحم على الآخر؛ اطلبها فتوى برحمةٍ لنفسك ومن نفسك وأفكارك،،،، فـ " الكره المجاني باهظٌ جداً جداً".
لا أعرف بشكلٍ شخصيٍّ أحداً من آل أبو جابر الكرام، ولكنّي ومنذ الصغر أعرف مدى الوجع (الشديد) الذي يسببه الفقد المفاجىء ...
لروح شادي السلام، ولكم الصبر والسلوان... إن أمكن.