jo24_banner
jo24_banner

مرض احتكار الحقيقة...

سارة محمد ملحس
جو 24 :
التعنّت للأنا والدعاية الذاتية للنفس سماتٌ لعددٍ كبيرٍ من الأمراض؛ بالذات إذا اقترنت بعدم الإدراك ... فلكل منّا جانبه الجاهل الذي إن أدركه سَلِم وإن لم يدركه آذى نفسه وكل من حوله.
أما إذا أضفنا للصفات أعلاه إدّعاء التفرّد الدائم بالمصداقية من خلال توحُّد النظرة والرأي، وقطع خطوط الاستقبال مع الآخرين مع ابقاء خطوط الإرسال (العشوائية) مفتوحة بكثافة وبدون توقّف،، فحقاً إذاً هو مرض احتكار الحقيقة...

يُؤْمِن المريض باحتكار الحقيقة أن الحقيقة لا تتجلَّى إلاّ من خلال أفكاره، ومن يتبنى غيرها يكون خارج الحقيقة وضدّها، فيصادر حق الآخر في الرأي؛ في الأغلب تحت أسرِ خرافة السلطة وغيبية الدين وفي بعض الأحيان تحت غيرهما من مصادر القوة الاجتماعية والمكانة المرموقة في المجتمع. فيُجرِّمُ ويُحرِّم البحث والتمحيص والمقارنة وكل جدل فكري يسعى لإنتاج معرفة نوعية، بالذات في زمن وسائل التواصل الاجتماعي؛ زمن المنابر الفردية المجرَّدة من سقوف المسؤولية، حيثُ كلٌّ يغني على ليلاه حتى أصبحت ليلى مستنسخةٌ مشوّهةٌ تخلو من أصالةٍ ومن حقيقة...

يكون هذا (المرض) مرافقاً بإقناع الشخص لأناه العليا بترك دور تفعيل الضمير على النفس، وإسقاطه على المحيط فيمنح ذاته سلطةً أخلاقية على إدراك الآخرين. بتأطيرهم والحكم على سلوكهم، ضمن أنماط محددة مسبقاً من قبل المريض باحتكار الحقيقة، دون أدنى استيعاب أن أقصر طريق لخسارة الآخر المتلقي - إما خسارة ملموسة أو معنوية- هو حوصلته... فتكون الخسارات جمعية وبالجملة (ولو بعد حين)...

وفِي المقابل إنّ إتّصاف جمهور (مُحتكِرِ الحقيقة) بالرعب من المعرفة، والخوف من العلم بالشيء،، يكون عنصراً أساسياً معزّزا ومثبّتاً لوجود المرض. فلا بد إذاً من التمييز بين الرأي والمعلومة، وبين الانطباع والخبر، ليكون الحكم على تلك المعطيات منوطاً بالمتلقي، فالتفكير هو الحقيقة الساطعة التي لا يمكن للشك الإيجابي إلاّ أن يزيدها إثباتاً.

مرض احتكار الحقيقة هو مرض بؤسٌ لحامله (فرداً كان أم مؤسسة)، وخيم العواقب آجلاً أم عاجلاً، فصحوة المتلقي لن تكون أبداً مسالمة، وعندها سيثور هذا المتلقي (الذي سئم من التبعيّة) حتى على الحقيقة التي يُؤْمِن بها وذلك... لمجرّد الثورة!

 
تابعو الأردن 24 على google news