حبيب المدينة
صاحب الناي غاب مستعجلا ، اطفأ الشموع في ليلة العيد ومضى كأنه على موعد مع احبائه :حابس وعرار وصايل ، انسحب كغيمة صيف حزينة لم تجد مكانها في سماء المدينة ، فأتم النذر لوصفي واوفى البكاء ، ياه ... لو تمهلت قليلا ايها البدوي ، لو تزودت بقطرة ماء قبل الرحيل في صحرائك الكبرى، لو اعطيت المدينة فرصة أخيرة ، لعلها توفي بنذرك.
" جئت أوفي البكاء
وأوفي النذور
السلام على وطن
خط كل حقائقه في السطور
وأخطأها في الصدور
والسلام على وطن
لم يظل لنا فيه غير القبور"
لكنه العود الذي انكسر بين يدي المغني واحتار الى أي جنب ينام ، هكذا استراح حبيب من هودج الحزن : نام قبل ان يتم قصيدته، هدم خيمته التي اقامها مرارا وطوى الصحراء علها تبل عروقه ، قلقا ، اسيرا ، ملهما بخطوات "تيسير السبول" الى تخوم النهاية المفجعة .
"كأني إلى الوهم أمشي
كأن المدينة قد خيطت منذ داهمتها كفني
وأعدت شوارعها حين أقبلت نعشي"
ها قد انتهى فارس اخر من فرسان المدينة ، فارس كان يعلل النفس بإشعاره الحنونه والشجية ويعشق ياسمين جبالها وخزامها ، شاعرا ترجل عن فرسة فتيا وما يزال قلبه من ذهب، ستبكيك المدينة بلا شك يا حبيب ، فقد اعدت لك الكفن مسبقا . كفنا سيحمل جسدا اثقلته الكلمات والذكريات ووجعا صحراويا ظل دفينا لتسع واربعون عاما. هكذا هي المدينة دائما ، تذكر شعراءها عندما يموتون.
"فرحوا بما نهبوه من ايقاع قمحي
واطمأنوا عندما هدموا خيامي
أغوتهم الألقاب حين تورموا شحماً
وأغوتهم مكاسبها انصرافا
عن كلامي"
وداعا ايها الشاعر الجميل، يا ابن القرى والينابيع، يا ابن الشموس ، الذي مات واقفا كما شجر الاردن ، سلام على روحك وقلبك العاشق لحوران وشيحان والعالوك وشفا بدران ، سلام على زيت زيتونك وخبز قصائدك ولتبكيك الحرائر في كل صباح ومساء وكلما غنى الطائر : يا حنه على حنه.