سوريا الى أين ؟!
الذي تشهده المدن والارياف السورية منذ عامين من أحداث دامية ونزيف اقتصادي واجتماعي وحضاري قاتل لا يجوز السكوت إزاءها أبدا ..فالذي يجري في سوريا الجارة والشقيقة اليوم هو حرب أهلية مدمرة ..ودول وشعوب أمتنا العربية تنتظر ظهور رايات المنتصرين الحمراء المخضبة بدماء إخوتهم في الطرف الآخر من الحرب .. والهدف من هذه الحرب الأهلية الهوجاء لم يعد كما قيل في وسائل الإعلام والصحافة وعلى ألسنة السياسيين عن محاربة الدكتاتورية والطائفية وعن إطلاق الحريات العامة وفتح المجال أمام خطوات التحول الديمقراطي المنشود ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة والمساواة بين أبناء سوريا بدون تمييز ..فالهدف كما هو واضح بجلاء شديد على أرض الواقع الملموس هو بصراحة تدمير سوريا ـ تدمير اقتصادها الوطني وتدمير مؤسساتها المدنية وتدمير تراثها الحضاري وتدمير جيشها وفكفكة بنى وأوصال ومفاصل الدولة والعودة بها إلى عهود القرون الوسطى
وهذه الحرب الناشبة بين نظام الحكم وأطراف المعارضة لن يكون في نهايتها غالب ومغلوب .. فسوريا كلها بشعبها وامكاناتها وقدراتها ودورها ستكون مغلوبة ومهزومة ومنكوبة ..وطالما أن الحرب هي خيار الطرفين ـ الموالاة والمعارضة , فالطرفان مسؤولان عن تدمير سوريا وإبادة عشرات الآلاف من أبناء شعبها ..
فكما قال المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي بعد لقاءاته في دمشق ومع المعارضة :ـ إن أمام السوريين خيار واحد , فإما الحوار وإما الجحيم .. ويبدو أن هذه الحرب مرشحة هذه الايام لتشهد تصعيدا واتساعا لتشمل الارض والزرع والضرع وكل شيء ـ كل شيء .. ولربما تتسع أكثر لتشمل دول الجوار ولربما تتحول إلى حرب اقليمية لا تبقي ولا تذر ..فثمة سفينة إنزال روسية أخرى تتجه حاليا إلى ميناء طرطوس السوري لتضاف إلى الاسطول الروسي المعسكر هناك ..وثمة قوات روسية مختلفة من المشاة والبحرية والجوية ..وهي متأهبة للمشاركة في الحرب ..وهناك قوات امريكية وبريطانية وفرنسية معسكرة على حدود سوريا الشمالية والجنوبية ومتأهبة للمشاركة في الحرب ..
وهنا نتساءل : ـ لماذا لايصار إلى تجنب هكذا حرب جهنمية في سوريا ولربما في المنطقة بأسرها وتفادي الخسائر المذهلة والماساوية التي ستتكبدها أطراف هذه الحرب في الارواح وفي المعدات وفي كل شيء ؟!..ولماذا لايؤخذ تحذير الاخضر الابراهيمي بالاعتبار فيفتح باب الحوار بين الموالاة والمعارضة ووقف دوي المدافع وأزيز الرصاص ليتم الحوار في أجواء ملائمة ؟!..وفي الحوار الجدي والمسؤول تقدم الاطراف المشاركة تنازلات لحقن الدماء وللحفاظ على بقي من أسباب الحياة على الأرض ..وصولا إلى توافق وطني ينقذ سوريا وشعبها من مزيد من الدماء والويلات والكوارث ..ووصولا بعد ذلك إلى وحدة وطنية في مرحلة انتقالية يتم الإعداد فيها للانتخابات العامة وتكون صناديق الاقتراع هي مصدر القرار في اختيار السلطات ونوعية نظام الحكم ..فسوريا العظيمة يجب أن تعود عظيمة ..ويجب أن يعود دورها إلى جانب الشعوب الشقيقة لإحياء اتفاقية الدفاع المشترك على أسس جديدة ولإحياء العمل العربي المشترك واتفاقية الوحدة الاقتصادية على أسس جديدة أيضا لتسهم في تحقيق وحدة الأمة وتجديد دورها الحضاري تحت الشمس..
(الراي )