لماذا المراوحة في المنطقة الرمادية، والنار تنشب في طرف ثوبنا؟
سلامة العكور
جو 24 :
في تزامن ملحوظ ومريب نشطت كل من إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب وحكومة نتنياهو ودول خليجية وازنة ومجاهدي خلق الايرانية التي مقرها باريس ومصدر نشاطها ألبانيا ،لتأييد وتشجيع ودعم التظاهرات الإحتجاجية التي شهدتها طهران ومدن ايرانية أخرى ..والتي كان ظاهرها في بادئ الأمر مطلبيا ..وسرعان ما تحولت إلى ممارسة العنف بجميع أشكاله ووسائله ضد المنشآت والمؤسسات العامة والخاصة مستخدمة قنابل المولوتوف وغيرها من وسائل شغب استفزازية ضد السلطات الرسمية ..وذلك في محاولة مدروسة وممنهجة منذ زمن لزعزعة أمن البلاد واستقرارها وصولا لإضعاف نظام الحكم واستنزاف قدراته وبالتالي العمل على إسقاطه إن أمكن ذلك ..أو لإجباره على تغيير سياساته إقليميا ودوليا على الأقل .. فالرئيس ترامب الذي هاله وأذهله الدور الايراني المناهض لاعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ،قد هدد وتوعد السلطات الايرانية بتقديم الدعم والمساندة بكل أشكالها للمعارضة الايرانية محاولا جرها من المطالبة بأمور مشروعة وعادلة اقتصاديا واجتماعيا إلى ممارسة العنف والتدمير والقتل والحرق وإثارة الفوضى والإضطرابات وبالضبط كما فعلت داعش في سوريا والعراق واليمن ومصر في عموم البلاد ..وذلك في تدخل سافر ووقح في الشأن الداخلي لإيران ..
اما نتنياهو فقد رحب بهذه التظاهرات متمنيا تقويض مؤسسات الحكم ليقيم حلفا جديدا مع نظام حكم جديد لا مكان له إلا في أحلامه وأحلام اليمين الاسرائيلي العفن ..أما الدول العربية التي رحبت بتظاهرات المعارضة الايرانية , فلم تستطع سوى التلويح بالمال لإغراء ضعيفي النفوس ودفعهم لممارسة التدمير والتخريب وإلحاق الأضرار بمنشأت بلادهم ..
لا يمكن إغفال أن مطالب المعارضة السلمية الحصيفة عادلة ومشروعة ..وينبغي العمل الجاد والمسؤول لتلبيتها من خلال إعادة النظر بالبرامج والخطط الإقتصادية والاجتماعية ..وحتى في نوعية الموازنة العامة لجهة إنصاف جميع الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمهمشة التي لحق بها الحيف والضيم .. وهذا أمر مقدور عليه رغم الحصار الاقتصادي والتجاري والسياحي والمالي إقليميا ودوليا ضد ايران ..ومرة ثانية فإن المراقبين الامريكيين والاوروبيين يرون أن الحضور الإيراني السياسي البارز في المنطقة ومفاعيله في أحداثها الملتهبة ودور ايران في مناصرة العراق وسوريا ولبنان عملياتيا في مواجهة "داعش" التي هي من صنع واشنطن وعواصم اوروبية وخليجية والتي عاثت في هذه البلدان فسادا ومارست حملات الإبادة والذبح والحرق وتدمير المدن والموروث الحضاري ,قد فوت على واشنطن وحلفائها فرصة تحقيق مشروعها في تفتيت دول وزوال دول أخرى في المنطقة ..ولقد اعترفت السلطات الإيرانية في بادئ الأمر بعدالة ومشروعية مطالب المتظاهرين الاقتصادية والاجتماعية وتعهدت بتلبيتها ..لكن سياسات التحريض والتأليب التي مارستها واشنطن وتل أبيب ودول خليجية تدور في الفلك الامريكي ـ الصهيوني قد شجعت المشاغبين والارهابيين والمدسوسين المأجورين للمخابرات والاستخبارات الامريكية والاسرائيلية على ممارسة أشكال العنف والقتل والتدمير ما دفع السلطات الإيرانية للقيام بكل ما أعاد لطهران وللمدن الأخرى الأمن والهدوء النسبي ..فسقط بذلك تكالب أطراف الحلف الامريكي ـ الصهيوني بسقوط أحلامهم وأوهامهم المريضة ..وبهذا الفشل الذي مني به هذا الحلف البغيض تكون ورقة خطيرة أخرى من أوراقه ومشاريعه التي استهدفت تفتيت العراق وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها قد سقطت هي الأخرى ..وحري بالدول المناهضة لهذا العدوان السافر تشكيل حلف أو محور يدعم الشعب الفلسطيني وصموده ومقاومته الباسلة ضد الاحتلال الصهيوني وصولا إلى تحرير فلسطين العربية من النهر إلى البحر وعاصمتها القدس الموحدة ..وبغير ذلك فسيترك الشعب الفلسطيني لوحده في ساحة المقارعة ضد الحلف الامريكي ـ الصهيوني ,وهو ما يعد بمثابة التفريط بفلسطين وبشعبها العربي ..
أما الأردن بلد الحشد والرباط فإن عليه أن لا يظل حول المنطقة الرمادية يتأرجح هنا وهناك بدون حسم موقفه من حلفائه السابقين الذين خذلوه غير مرة ..ولم يعبأوا لما يعانيه من أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة رغم ما قدمه إليهم من خدمات لوجستية وأمنية وهم الذين أنفقوا وينفقون مئات المليارات من الدولارات على اذكاء الحروب في المنطقة, وزعزعة امنها وعلى مشغليهم من المتآمرين لتصفية القضية الفلسطينية وإلحاق الشر والأذى بالقضايا العربية الأخرى ..
فالأولى بالاردن ان يوسع دائرة علاقاته وتحالفاته إقليميا ودوليا, وعليه ان يتخطى القوالب التقليدية (التحافات البالية والمكلفة) التي لم تعد تجدي نفعا ,والتي دفعته لترتيب اعباء كبيرة على مواطنيه في الوقت الذي يواجه به خطرا خارجيا محدقا وصفقات تستهدف وجوده ونظامه السياسي ..على الاردن ان يفتح المجال واسعا لبناء تحالفات جديدة ومثمرة مع دول اقليمية ودولية كايران وتركيا وروسيا الاتحادية والصين الشعبية والهند ودول امريكا الجنوبية وغيرها وغيرها الكثير من دول المعمورة التي ترحب بإقامة مختلف العلاقات مع الأردن لدوره الطليعي في الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس العربية ..