لا يموت "الذيب"؟
بانت اسنانه ، فانتفض الرعيان من حوله ، تاركين القطيع بدون صاد او رقيب .
نظر بعين ثاقبة الى القطيع، كانت الخراف واجمة، هزيلة، متفرقة، في انتظار اراقة دماء احدهم، قلبّ "الذيب" في رأسه فكرة التهام اكثر من شاه في نفس الوقت، لكنه تذكر اتفاقيته مع "الكبش" الكبير ( ان لا يموت "الذيب" ولا تفنى الغنم )، فعدل عن الفكرة مختطفاً احد الخراف الضعيفة، شارخاً ضجيج الصمت ومنهياً ليلته بصيد ثمين .
كان يجرّ الخروف المدّمي امام عيني "الكبش" بصعوبة بالغة، ابتسم بوجه "الكبش" عندما تلاقت العيون، كعلامة على حفظه لاتفاق دام سنوات طويلة، كان خلالها يختطف خروفا واحداً، برضى "الكبش" وبقاء هذا السرّ بعيدا عن علم الخراف، فموت خروف واحد سيضمن بقاء "الكبش"، وعدم فناء القطيع.
عندما وصل لوكره ، أحسن بوهن شديد، وبحرارة تسري لباقي جسده، لقد اصطاد الليلة اضعف خروف في القطيع، ومع هذا فقد اجهده الركض وعلا صوت لهاثه، وداهمته مشاعر ملل وخوف، ماذا! ، هل يخاف "الذيب" ؟، نفض رأسه من هذه الفكرة، ثم رمى ضحيته امامه، لكن سقوط احد اسنانه الملطخة بالدماء، ايقظ الفكرة مرة اخرى. نعم ، لقد شاخ "الذيب" ولم تعد لعبة الصيد ممتعة له كما في الماضي، حتى ضحاياه كانت تترك في اخر الليل كما هي ، غير مأكولة وعرضه للنسور .
لم يعد "الذيب" كسابق عهده، فكر "الكبش" ملياً.
أقُسم ان حبات العرق ملأت وجهه المسّن، وعضلاته لم تقو على حمل اصغر خروف لديّ في القطيع ، هل حان الوقت اذن، ايعقل ان يموت "الذيب".
أعدّ "الكبش" العدّة مع بداية الربيع، ثغى بالقطيع لثورة بيضاء تنهي دكتاتورية "الذيب"، والتخلص من حمل ثقيل لاتفاقية قبض ثمنها طويلا، ولم تعد صالحة بضعف "الذيب" وظهور شيخوخته.
كانت جموع الخراف، تتبع "الكبش" صوب جبل "الذيب"، احس حينها ان الخراف غدت كالذئاب كلما اقتربوا من وكر "الذيب"، فصوت الثغاء غدا عواءاً ، وتبدّل الصوف بشعر غزير.
لم يفهم "الكبش" شعور الحزن الذي تملكه عندما انقضّت الخراف على "الذيب" المسن، كان يفرك عينيه من دموع ذرفت عنوة عنه من قسوة قتل "الذيب" وتشويه جثته. دبت الفتنة بين الخراف وتحولت الوداعة الى مشاهد قتل مروعة.
حدق بهم مجددا ، فعرف ان "الذيب" لم يمت بعد، وان مئات الذئاب قد احاطت به من كل صوب . لم يمت الذيب ، لم يمت الذيب !
وحدها هي الاغنام التي فنيت.
