2024-08-28 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

المادة 308 : ظالمة ومشينة ومخجلة!

باتر محمد علي وردم
جو 24 : هنالك أسباب عديدة تجعلنا نشعر بالفخر كمواطنين أردنيين، منها المستوى العالي للتعليم والنهضة العمرانية والتماسك الاجتماعي وسلمية العمل السياسي وغيرها. ولكن في المقابل يجب أن نعترف بأن هنالك أسبابا تجعلنا نشعر بالخجل من بعض الممارسات والسلوكيات والتشريعات التي لا يمكن الدفاع عنها وتبريرها لا بالدين ولا بالأخلاق ولا حتى بالفطرة الإنسانية.

نتحدث يوميا عن الإصلاح السياسي والانتخابات والولاية العامة وغيرها من الشعارات الكبيرة، ولكن علينا أن نبدأ ايضا من أنفسنا وأن نصلح هذا المجتمع من تشريعات وأعراف ظالمة وتصل إلى درجة الخزي، وما أريد أن أكتب عنه اليوم ليس إلا حالة واحدة ولكنها غاية في البشاعة ولا يمكن ابدا قبول السكوت عنها بعد اليوم.

قانون العقوبات الأردني قد يكون صارما في حالات الاغتصاب، ولكنه يتضمن بندا مشينا للعدالة وهو المادة 308 في قانون العقوبات “اذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها يوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه ما لم يكن مكرراً للفعل “ ويحدث هذا عادة من أجل “درء الفضيحة” وحماية سمعة الفتاة والعائلة. يتطلب ذلك بالطبع قيام العائلة (ولي الأمر) بإسقاط الحق الشخصي عن المجرم وبالتالي فتح المجال أمام الزواج. ولكن ما ذنب فتاة تعرضت للاغتصاب في أن ترتكب في حقها جريمة أخرى بتزويجها قصرا من المغتصب والحياة معه في منزل واحد وربما تربية أطفالهما ايضا، ولا يوجد سبب ايضا يمنع المغتصب من تطليق الفتاة بعد 5 سنوات من ارتكاب جريمة الاغتصاب مرتكبا الجريمة الثالثة وايضا ضمن القانون. وإذا كان هذا الامر شنيعا بالنسبة لفتاة بالغة فإنه سيكون خارجا عن كل التصور عندما يتم اغتصاب فتاة في الرابعة عشرة وتزويجها من مغتصبها كما حدث قبل ايام في الأردن.

القضية الأخرى أن هذا النص القانوني يعطي مخرجا للمجرم مع أن قانون العقوبات يهدف إلى الردع والقصاص وهو يغلق كل الفرص أمام الضحية والتي لا تحصل على اي دعم نفسي أو اجتماعي من الدولة، وكأن الدولة تنتقم من ضحية الاغتصاب مرة أخرى بإلقائها لمصير بائس تتزوج فيه بالإكراه (وهو مناف للدين ايضا) من رجل قام باغتصابها من الواضح أنه غير مؤهل لبناء أسرة نظرا لسلوكه المشين. واجب الدولة تجاه كافة مواطنيها ومن ضمنهم ضحايا الاغتصاب أن توفر لهن الحماية وفرص عيش حياة كريمة وليس أن يكون الخيار الوحيد القبول بالزواج من المغتصب أو تركها لمصير اجتماعي يوصمها بالعار أو حتى يؤدي غلى قتلها تحت حماية مادة أخرى في القانون وهي العذر المخفف!

هذا ليس كل شئ. وسائل الاعلام بالطبع تلتقط هذه القصص المثيرة وتحاول تغطية كافة جوانبها وأحيانا تلتقي مع “خبراء في علم النفس”، وأحد هؤلاء الخبراء تبرع في تصريح لصحيفة محلية في القول بأن “نفسية الفتاة تستطيع التأقلم مع الحياة مع مغتصبها مع الوقت”. من اين جاء بهذه الترهات التي لا تستند إلى علم ولا يحزنون ولا تراعي أدنى المشاعر والفطرة الإنسانية، وتعطي مبررا مخجلا لممارسة مثل هذه الخيارات المشينة والتي تحط من كرامة الفتاة نهائيا وإلى الابد.

نحن في زمن الربيع العربي وفي زمن النهضة السياسية والاجتماعية ولا بد من أن نبدأ في رفع الصوت عاليا ضد هذه القوانين. مجموعة من الشبان نشطت مؤخرا عبر تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي في الدعوة إلى حملة ضد هذه القوانين دفاعا عن كرامة الأردنيات وعدم انتهاكها تحت سياق قانون متعسف. هذا المقال هو مساهمة بسيطة في هذا الجهد وقد جاء مضمونه بعد حوار مع الداعين لهذه الحملة.

لم يعد المجال ممكنا للإستمرار في هذه الحالة من إنفصام الشخصية. إما أن نعترف بأن الأردن لا يزال دولة في العصور الوسطى وتشريعاتها تصب في مصلحة الجرائم المرتكبة من قبل الذكور ضد الإناث معهما كانت فظاعتها وإما أن نتجرأ في المطالبة بتغيير كل هذه التشريعات لتصبح جرائم من الدرجة الأولى يحكمها القانون المدني ولا تسمح حتى بسحب الإدعاءات من الأهالي وبالتالي إيقاع الجزاء العادل على كل المجرمين بدون وجود اي مخرج للهروب.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news