المقاطعة كمنهج حياة!
باتر محمد علي وردم
مقاطعة الشركات المساندة لإسرائيل ليست مجرد واجب وطني حقيقي على كل شخص منا يؤمن بحق الشعب الفلسطيني ولديه الحس الوطني الكافي للتحرك بشكل فعال في الرد على الهمجية الإسرائيلية ، بل هو سلوك ثقافي ووعي فردي رفيع المستوى يحول الشخص منا إلى كتلة فعالة ومؤثرة لا مجرد مستمع ومشاهد لأخبار المجازر. ولا داعي لأن نتحدث بالكثير حول الأهمية الاقتصادية لهذه المقاطعة في دعم الاقتصاد الوطني والبدائل الأخرى، فالطرف الوحيد الذي يمكن أن يتضرر من المقاطعة ليس إلا مستوردي هذه المنتجات، وفي هذا الوضع السياسي والإنساني المأساوي فإن خسارة بعض الدنانير من قبل بعض التجار ووسطاء الشركات ليست قضية يمكن أن نذرف عليها الدموع.
من المهم في البداية الحصول على لائحة حقيقية ومثبتة من الشركات التي “تدعم” إسرائيل وهنالك عدة مصادر تبالغ في اعدادها وحجمها وأحيانا يتم الزج بأسماء شركات لاسباب شخصية أو حتى تنافس اقتصادي. المصدر الأفضل لمعرفة مثل هذه الشركات هي المصادر الإسرائيلية نفسها التي تفخر بالدعم التي تقدمه شركات معينة لإسرائيل وبالتالي يمكن استخدام هذه المصادر بشكل موثوق بدون الوقوع في فخ المبالغة.
ربما يكون من الصعب تنفيذ حملة مقاطعة شاملة للشركات المساندة لإسرائيل مرة واحدة وسريعا، فالأمر يتطلب الكثير من الوعي والإرادة والتصميم، ولكن تنفيذ برنامج مرحلي مكون من سلسلة من الخطوات الصغيرة سيوصلنا في النهاية إلى إحداث تأثير حقيقي والشعور بالرضا عن النفس. فالمقاطعة الشعبية هي في النهاية قرار شخصي يتخذه كل فرد منا ويقوم بتنفيذه ونشره من حوله في المجتمع، وهو بمثابة ثقافة مقاومة ووعي سياسي جديد تنتقل إلى الأبناء والجيران والأصدقاء والمعارف، وهو سلوك يجب أن يتماشى مع الإحساس والقناعة بأهميته والفخر به، فلا أعتقد أن هناك اي شخص منا لن يشعر بالفخر عندما يرفض شرب زجاجة مشروب غازي لشركة تساند إسرائيل، أو زيارة مطعم وجبات سريعة ردئ النوعية أو مقهى يقدم منتجات بأسعار مبالغ بها تصل إلى مستويات السرقة ناهيك عن تأييد الشركة نفسها لإسرائيل ويعمم ذلك على كل من يعرفه، فهو سلوك بسيط ولكن تأثيره النفسي كبير جدا.
من الصعب تنفيذ مقاطعة كاملة، فهذا المقال أقوم بطباعته باستخدام برنامج شركة مايكروسوفت والتي تعتبر من أهم الشركات التي تستثمر في إسرائيل، وهذا ما يشعرني بمنتهى الإحباط. ولتجاوز هذه المشكلة لا بد من اتخاذ خطوات جماعية، منها التطور العربي في مجال التقنيات والمعرفة بحيث يمكن الحصول على بدائل ذات منشأ عربي بنوعية يمكن ضمانها والاعتماد عليها.
نتمنى أن تتطور حملة المقاطعة لتصبح منهجا للحياة، وأن تصبح ثقافة استهلاكية مستدامة تنتقل عبر كل فئات المجتمع، وأن يؤدي ذلك إلى المزيد من الاعتماد على المنتجات المحلية والعربية والعالمية غير المؤيدة لإسرائيل، فالفوائد التي يمكن أن نجنيها من وراء هذه المقاطعة ليست فقط مجرد تحقيق رضا عن النفس، أو ايصال رسالة سياسية أو تحقيق دعم معنوي للأشقاء الفلسطينيين بل في الرقي بأدوات العمل الشعبي السلمي الأردني والتثقيف السياسي الذي يتجاوز التنظير والهتافات والمحاضرات والخطب ليصبح سلوكا متجذرا في المجتمع.
الدستور