عشر خطوات للخروج من الأزمة وبناء أردن "مستدام"
باتر محمد علي وردم
جو 24 :
بعد أكثر من أسبوعين منذ بدء ما يسمى أزمة الأمير حمزة، أو قضية الأمير حمزة، لا زالت التفاصيل غير واضحة ولكن وبكل أسف تتزايد حدة الاستقطابات والمواقف الانفعالية العاطفية والتي لا يمكن أن تصب في مصلحة الأردن ولا شعبه ولا استقراره السياسي والأمني والاقتصادي. ما حدث قد يندرج تحت بند "رب ضارة نافعة" في حال قررنا جميعا كدولة وسلطات رسمية ومؤسسات شعبية وأفراد أن نحول هذا التحدي والأزمة إلى فرصة لتحقيق نقلة نوعية في الإصلاح السياسي في الأردن نحو مستقبل آمن ومستدام. لتحقيق هذا التحول نحتاج إلى القيام بعشر خطوات شجاعة وصريحة ولكنها ممكنة وتكلفتها السياسية أقل بكثير من تكلفة عدم القيام بها.
1- الإدراك والاعتراف بأن هنالك مشكلة: لا يمكن خداع الذات وكافة المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تخبرنا بأننا نواجه أزمة ثقة بين السلطة والمجتمع. لا نعرف معلومات كافية عن تفاصيل القضية الأخيرة، وربما يمر وقت طويل قبل أن نعرفها ولكن تماشيا مع الموقف الرسمي بوجود "فتنة" فإن ردود الفعل عليها تشير بأن هنالك مشكلة داخلية يمكن أن يتغذى عليها اي احتجاج سياسي. هذه المشكلة هي بمثابة جسر ناقل للكثير من السياسيين من خانة الموالاة إلى خانة المعارضة واستثمار الغضب الشعبي على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. على المؤسسات السياسية الأردنية وخاصة الرسمية منها والمكلفة باتخاذ القرارات الحاسمة أن تدرك بأن هنالك أزمة فعلية وأن كل محاولات المماطلة والتمويه عليها لن تزيدها إلا رسوخا وخطورة.
2- الاعتراف بالمسؤولية الجماعية التي تسببت بالأزمة: أزمة الثقة لم تنشأ من فراغ بل ورائها اسبابا عديدة ويجب أن ندرك المسؤولية عنها ليس لتوجيه الاتهامات والتراشق بها بل لمعرفة اين أخطأنا. بشكل عام الدولة قصرت في الإصلاح السياسي الذي يمكن أن يقلص من نتائج الأزمات الاقتصادية والصحية وماطلت به كثيرا، وكان هنالك سوء إدارة للمؤسسات العامة تسبب بالكثير من هدر المال العام وتشويه صور هذه المؤسسات وسمعتها لدى الرأي العام إضافة إلى تراجع نوعية الخدمات العامة. وفي المقابل لا يمكن أن نبرئ أنفسنا كمجتمع من المساهمة في الخطأ فنحن بشكل عام ندعم الفساد في حال كان يصب لمصلحتنا ونغصب منه إذا اشاء لحقوقنا، والدليل على ذلك اللجوء الناجح لمعظم المتهمين بالفساد إلى قواعدهم الشعبية التي لا تخذلهم وتدافع عنهم.
3- إصلاح المؤسسات العامة جذريا: معظم المؤسسات العامة الإدارية والفنية والإعلامية وغيرها تعاني من ضعف شديد في الأداء ومن سيادة الواسطات والمحسوبيات وسوء تعيين المسؤولين وعدم وجود اية محاسبة ولا مساءلة لهم. لا يمكن أبدا الاستمرار بهذا النمط من الإدارة السيئة، والدولة بكل عناصرها مسؤولة عن إيقاف هذا التردي في النوعية سواء في عملية اختيار المسؤولين أو مراقبة أدائهم أو مساءلتهم على الانجازات وأن يتم منع عملية إعادة تدوير المناصب على فئة ثبت فشلها الذريع ومساهمتها في إيصال انعدام الثقة إلى هذه المرحلة. الإصلاح الجدي للمؤسسات العامة خطوة اساسية في طريق التغيير.
4- صياغة عقد اجتماعي جديد: ربما سئم البعض من تكرار مصطلح "عقد اجتماعي جديد" خاصة بعد أن تم إساءة استخدامه في مرات كثيرة سابقة لأغراض تجميلية وتسكينية لا أكثر. الأردن بعد 100 سنة من عمر الدولة بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد وهذا أمر يعرفه النشطاء السياسيون والخبراء والمتابعون للشأن العام كما أدركته معظم المقالات والتقارير الصحافية المنشورة في الصحافة الغربية والمعتمدة على مصادر أردنية. لم يعد من الممكن دخول المئوية الجديدة بناء على معادلات "الولاء مقابل المكاسب" التي أسست للمنظومة السياسية الجماعية الأولى قبل مئة سنة. هنالك الآن جيل جديد من الشباب المتعلمين الذين لا يقبلون بهذه المنظومة القديمة ويحتاجون لما يعكس أولوياتهم في حياة عادلة وكريمة ومشاركة عميقة في الحياة السياسية وصناعة القرار، وهذه الفئة هي التي عبرت بشكل واضح عن تأييدها للخطاب المعارض لخطاب السلطة في الأزمة الأخيرة ومن غير الممكن تجاهل مطالبها.
5- تجديد قيم الدولة: بنيت الدولة الأردنية على شعارات الثورة العربية الكبرى والتي كانت نقطة انطلاق وتحفيز للشعب الأردني من مختلف أصوله. نشأت الأردن في الأساس دولة عربية قومية ونواة للوحدة العربية، وتدريجيا بنت قيما جديدة من الحداثة والتسامح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ونوعية التعليم والخدمات العامة تفوقت بها على دول عربية مجاورة أكثر ثراء وموارد من الأردن. للأسف فإن الكثير من هذه القيم فقدناها مؤخرا ونحن بحاجة إلى تجديدها وإلى الاتفاق عبر حوار اجتماعي مفتوح على قيم سياسية واجتماعية جديدة تتناسب مع الواقع الحالي للدولة والمجتمع الأردني والتحديات التي تواجههما.
6- إعادة الإعتبار السياسي لمجلس النواب: لا يمكن تحت اي حال من الأحوال الاستمرار في الحالة الطفيلية البائسة لمجلس النواب الأردني الذي اصبح مصدرا لاستنزاف موارد الدولة الشحيحة في الابتزاز والمحسوبيات والواسطات والفساد بدلا من المساهمة في إصلاح نيابي وسياسي. الخطوة الأولى هي في قانون الانتخاب. تحت وهم التخوف من أغلبية فلسطينية في التمثيل النيابي الأردني تم إبتداع قانون انتخاب فريد من نوعه لا يسهم إلا بانتخاب الأشخاص الأكثر ثراء وواسطة وقواعد انتخابية محلية بدون اي بعد سياسي. وهذا ينطبق على كافة المكونات الشرق أردنية والفلسطينية والتي بالذات شهدت في السنوات الماضية استبدال النواب النشطاء سياسيا بنواب القطاع الخاص. في حال أردنا التوجه نحو ملكية دستورية وحكومات منتخبة كما في الأوراق النقاشية لجلالة الملك نحتاج إلى مجلس نواب يمثل الإرادة الشعبية بشكل حقيقي وفق أكثر أنماط الانتخاب نزاهة ودعما للتمثيل السياسي الحزبي.
7- الدور الاساسي للحياة الحزبية: أظهرت الأزمة الأخيرة بؤس الحياة الحزبية في الأردن والتي بدونها لا توجد حياة سياسية ولا مستقبل من العمل السياسي المنظم. الأحزاب الأردنية متشرذمة وضعيفة ولا تمثل إلا نسبة قليلة جدا من المجتمع. لا يقع اللوم فقط على الأحزاب بل ايضا على الدولة التي لا تزال تمارس تقييدا للعمل الحزبي وتمارس تمييزا مسكوتا عنه ضد أعضاء الأحزاب. ولكن هنالك فشل ذريع من قبل الراي العام في الانخراط بالأحزاب. اغلب الناس يفضلون إبداء آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من الدخول في حياة حزبية حقيقية وبدون وجود أحزاب قوية ذات برامج لا مجال ايضا للتطور نحو ملكية دستورية تعتمد على حكومات حزبية منتخبة. ولهل قرار الحكومة الأخير منع ترخيص حزب الشراكة والأنقاذ مثال على هذا الوضع المحزن.
8- تخفيف القبضة الأمنية على الحياة العامة: مقارنة بدول عربية أخرى لا يزال الأردن اقل خطورة على النشطاء السياسيين ولكن لا تزال هنالك اعتقالات وتشريعات مجحفة تكبل حرية التعبير ويجب أن تكون ظروف التعبير السلمي متاحة للجميع طالما لا توجد اية ممارسة للعنف أو الإيذاء. كما ينبغي أن تتاح الفرصة لكافة النشطاء السياسيين لممارسة حياتهم الطبيعية في العمل والحركة بدون تقييد وحسب الدستور والقانون.
9- الإستفادة من الدول الصديقة: من الجميل أن نسمع عبارات التأييد والإشادة من الدول الصديقة سواء كانت العربية أو اأجنبية، ولكن ما هو أجمل القدرة على تقديم مساعدات استراتيجية عن طريق المزيد من الاستثمار ومواجهة أعباء اللجوء السوري ومواجهة تحديات الكورونا. يعتمد اقتصاد الأردن بشكل مهم على المساعدات الخارجية التي تقلصت في السنوات الأخيرة وخاصة من قبل الأشقاء العرب، وبقاء الأردن مستقرا ومستداما يتطلب مزيجا من الإصلاحات السياسية العميقة، ودعما ماليا مؤثرا وخلقا للوظائف ومكافحة كل العناصر التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وخاصة التحديات الاقتصادية.
10- الملكية الدستورية هي الحل وليست التابو: الخيار طويل الأمد من أجل استدامة واستقرار الدولة الأردنية هو التحول التدريجي نحو الملكية الدستورية. وقد أشارت الأوراق النقاشية لجلالة الملك وخاصة الورقة النقاشية الخامسة إلى ضرورة هذا التحول عن طريق تعميق المشاركة السياسية والمسؤولية المشتركة. الملكية الدستورية تضع الحكومة أمام مسؤولياتها الاستراتيجية ولا يمكن لها أن تختبئ وراء جلالة الملك كما يحدث الآن. الملكية الدستورلية تضع الحكومة المنتخبة في موضع المساءلة في حال مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية بدلا من أن يصل النقد إلى رموز النظام السياسي وهذا ما لا يريده أحد. الحكومات لا يجب أن تكون مجموعات من الموظفين بسقوف صلاحيات لا تتجاوز تسعير المنتجات في السوق أو تحديد أوقات العمل والحركة بل أن تتحمل كافة المسؤوليات السياسية عن طريق سياسيين محنكين شجعان على مستوى عال من المسؤولية وهذا هو الحل الأفضل لحماية النظام ورموزه من النقد والذي يصل أحيانا إلى درجة الإساءة المرفوضة تماما.
رب ضارة نافعة، ولعلها فرصتنا في التحول نحو تحقيق العناصر المطلوبة لاستدامة الدولة الأردنية في مئويتها الجديدة.