مهمتنا أن نفتح الأبواب المغلقة أمام الشباب
باتر محمد علي وردم
جو 24 :
جميع أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية مدركون تماما لصعوبة التحدي والرهان الماثل أمامنا في محاولة إنتاج نقلة ايجابية في الحياة السياسية الأردنية، لا تتمثل فقط في التفويض المحدد للجنة في إعداد قانونين جديدين للانتخابات والأحزاب والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما، بل ايضا في السياق العام للممارسات والقرارات والإجراءات والسياسات التي يتم تطبيقها في العمل السياسي في الأردن وتؤثر سلبيا على الوصول إلى مساحة آمنة متاحة لجميع الأردنيين لممارسة العمل السياسي بحرية وفعالية.
ولعل الفئة الاجتماعية التي سوف تحدد مدى نجاح هذا العمل ونتائجه هي فئة الشباب لأن مشكلة العمل السياسي الأردني حاليا هي عدم ثقة الشباب بالفرص القليلة المتاحة للمشاركة السياسية والقناعة بأن الشارع والسقوف المرتفعة للمطالبات والشعارات هي الطريق الأسرع والأكثر فعالية لإيصال صوتهم لصانعي القرار. مستقبل الديمقراطية في الأردن يعتمد تماما على مدى القدرة على فتح الأبواب أمام هؤلاء الشباب للإشتراك في العمل السياسي المنظم.
بالتأكيد يوجد الكثير من النشطاء السياسيين والاجتماعيين من يؤمن بأن مشكلة الشباب هي البطالة وليس العمل السياسي، وهذا صحيح ولا جدال عليه ولكنه لا ينفي أن من حق الشباب أن يكونوا مشاركين فعالين في العمل السياسي ممثلا في مجلس النواب أو الأحزاب وأن يكونوا قوة مؤثرة في صناعة التشريعات والسياسات التي تخدم مصالحهم ولا يستمرون في موقع المتلقي لها.
أنا أنتمي إلى جيل فشل بشكل واضح في إحداث اي تأثير ايجابي في الديمقراطية والحياة السياسية في الأردن ولأسباب ربما تستحق الحديث عنها في مقال منفصل، ولكن فشل الجيل الذي أنتمي إليه لا يقتصر فقط على العمل الرسمي بل حتى في المعارضة والحياة الأكاديمية والمجتمع المدني والنقابات حيث لم يتم إنتاج نشاط سياسي فعال ساهم في تطوير العمل الحزبي ولا الشعبي ولا البرلماني. هذا الجيل لا يمتلك الحق في إعادة إنتاج نفس المعطيات السياسية ضمن اية خطط إصلاح سياسي جديدة ولا بد من إحداث ثورة حقيقية في نمط التفكير بحيث تتيح للشباب أن يشاركوا بفعالية في الحياة السياسية في المستقبل.
أفضل ما يمكن أن يقوم به جيلنا بأن يترك إرثا في فتح ابواب العمل الحزبي والبرلماني والسياسي للشباب في أطر مؤسسية تشكل كافة الأطياف والرؤى السياسية وأن لا يبقى الشباب معترضين في الشارع بينما تكرر النخبة السياسية نفس الأدوات المستهلكة حول الإصلاح السياسي.
هنالك نظرة استعلائية مزعجة يمارسها بعض أعضاء "النخبة السياسية" في الأردن سواء في المنظومة الرسمية أو المعارضة وهي نخبة منفصلة عن واقع الشباب وتدعي بأن الشباب الأردني غير مؤهل للمشاركة السياسية الفعالة وأن ذلك يجب أن يترك للمخضرمين من السياسيين. في الواقع لا يوجد شئ أبعد من هذا عن الصحة خاصة عندما نشاهد تردي أداء المؤسسات الممثلة للعمل السياسي سواء في الحكومات أو مجلس النواب أو المعارضة السياسية الحزبية وغير الحزبية والتي يتفوق عليها الشباب بشكل كبير في الشجاعة والفعالية.
الشاب الأردني في سن 25 سنة يكون قد حصل على شهادة جامعية واحدة على الأقل أو إثنتين، وأمضى مئات الساعات في برامج تأهيل وتدريب، وربما آلاف الساعات من القراءة والإطلاع على أهم القضايا العامة، وهو قد يكون مؤهلا لمناقشة الموازنة العامة والسياسة الحكومية أكثر من نصف النواب الحاليين وأمناء الأحزاب. لا يوجد أي سبب منطقي يمنع شابا أردنيا في سن الخامسة والعشرين من الترشح لمجلس النواب، وهذا السن هو عمر مناسب لعضوية مجلس النواب ويتم تطبيقه في عدة دول في العالم ومنها دول نامية لا يتجذر فيها العمل الحزبي.
الشاب الأردني حاليا لديه قدرة من خلال المعلومات المتوفرة لديه على تحليل الوضع السياسي المحلي والإقليمي برؤية أعمق من الخطاب الرسمي ومن بيانات معارضة متخشبة تعود إلى ايام عبد الكريم قاسم وصلاح جديد. الأحزاب يجب أن تركض وراء الشباب وليس العكس والبرلمان يجب أن يحظى بروح شبابية حيوية ، وبدون إحداث هذا التغيير الجذري لا مستقبل لأي إصلاح سياسي في الأردن.
للأسف فإن القدرة على التأثير في قانوني الانتخابات والأحزاب من وجهة نظر شبابية تبقى محدودة ببضعة إجراءات مستخدمة في معظم دول العالم منها تخفيض سن الترشح، والعمل على تحسين فرص الشباب للوصول إلى البرلمان عن طريق تحديد مقاعد شبابية من خلال القوائم الحزبية أو عن طريق كوتا شبابية وتسهيل فرص ترشح الشباب ومنها عدم الحاجة إلى الاستقالة من العمل عند الترشح والاكتفاء بإجازة من دون راتب.
على مستوى الأحزاب هنالك العديد من الإجراءات التحفيزية التي يمكن تضمينها في قانون الأحزاب لتشجيع المشاركة الشبابية في الهيئة التأسيسية والعامة والقوائم الانتخابية والهيئات القيادية وغيرها وهي ممارسات معمول بها في عدة دول في العالم.
ولكن التأثير الحقيقي لا يحدث فقط في الإطار التشريعي بل في إطار الممارسات والسياسات العامة، ولهذا سوف تقوم لجنة الشباب الفرعية في اللجنة الملكية بتقديم ورقة سياسات شاملة حول كافة الإجراءات والقرارات والتعديلات التشريعية المطلوبة لفتح المجال أمام مشاركة آمنة وفعالة للشباب في العمل السياسي وخاصة في الجامعات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة.
من الصعب في هذه المرحلة ضمان نجاح ما يمكن تقديمه في اللجنة، ولكن لا نملك إلا أن نحاول أفضل ما لدينا لأن التاريخ لن يتساهل مع التقصير.