jo24_banner
jo24_banner

الفهم المنقوص للأخلاق

باتر محمد علي وردم
جو 24 : قبل أسبوعين أقامت مجموعة من الشباب حفلا بسيطا في عمان مستمدا من نمط من الحفلات الآسيوية التي ترتكز على الألوان. الحفل اثار انتقادا كبيرا بل وشتائم في أوساط التواصل الاجتماعي وركزت عليه العديد من وسائل الإعلام باعتباره “غير أخلاقي” ولا ينسجم مع “العادات والتقاليد” ولا يحترم “المشاعر الدينية” ولا يتناسب مع الظروف المحيطة التي شهدت العدوان الإسرائيلي على غزة. البعض من هذه الانتقادات ربما كان محقا ولكن لا داعي للمبالغة في التحريض لأن ما حدث كان احتفالا ونشاطا بسيطا لم يؤذ أحدا ولم ينهب أموال الدولة ولم يتسبب في أي ضرر مادي على الممتلكات والمرافق ولم يعتد على حقوق الآخرين. يا ليت كان هذا الحفل هو أكبر مشاكلنا.
في الثقافة العربية والإسلامية هناك ربط متعسف ومبالغ به ما بين مفهومي الأخلاق والعفة، بحيث أن إصدار الأحكام على القيم الأخلاقية للأمم والأفراد بات مبنيا على النظرة العربية والإسلامية للعفة والاحتشام، ولهذا نجد أنه في مخيلة الغالبية العظمى من المسلمين توجد قناعة بأن أي تشبه بالثقافات غير الإسلامية خاصة الغربية هو أمر لا أخلاقي ويجب محاربته وأن الحضارة الغربية منهارة لأنها مبنية على البنيان والمادة وليست على الأخلاق بسبب عدم وجود قيم العفة والاحتشام كما في العالم العربي والإسلامي.
ولكن هذا التقييم سطحي ومضلل لأن الأخلاق ليست فقط في العفة بالرغم من أهميتها بل في النزاهة والصدق والإتقان والعمل واحترام حقوق الآخرين، وإذا كان لي أن أصف الأخلاق بجملة واحدة فلا يوجد أفضل من قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. هذا الحديث الشريف الذي ربط الأخلاق والإيمان معا برابطة الحرص على منفعة الآخر وبالتالي ايضا رفض اي سلوك من شأنه أن يضر بالآخرين إذا كان يضر بالذات هو من أهم الوصايا التي يمكن استخدامها للحض على الأخلاق الكريمة كقيمة إسلامية راسخة، ولكن -للأسف- فإن هذه القيمة لا تزال غير مطبقة بالشكل الصحيح في مجتمعاتنا.
في فصل الصيف الذي نمر به حاليا نواجه العديد من مشاكل الإزعاج الاجتماعي، خاصة مواكب الأفراح التي تنتهك حقوق العامة من خلال إغلاق الشوارع وإبطاء حركة السير وإجبار المواطنين على تأخير مصالحهم وحتى في بعض الحالات إضرارهم جسديا إذا كان هناك مرضى بحاجة إلى العلاج، وهذا سلوك أناني بعيد تماما عن الأخلاق. كذلك الأمر في استخدام المفرقعات والعيارات النارية والأصوات العالية من أجل الاحتفالات العائلية والخاصة بما يزعج كافة سكان الحي. ومع أن معظم الناس يفكرون بأن الحل هو في الاستعانة بالشرطة فإنه لا مجال لوقف هذه الحالات من الاعتداء على حقوق الناس إلا بوجود منظومة أخلاقية مزروعة في التربية تركز على عدم السماح بالتعدي على حقوق الآخرين.
تجد نفسك سائقا وراء مركبة فارهة الثمن وفجأة يقوم السائق بقذف سيجارة أو ورقة نفايات من الشباك قد تستقر بفعل الجاذبية في السيارة المجاورة. هذا يحدث مع أن السيارة مزودة بمساحات محددة للمخلفات وأعقاب السجائر ولكن للأسف فإن سائق السيارة ليس مزودا بالمنظومة التربوية الأخلاقية الكافية لاحترام المساحات العامة والمواطنين الآخرين. في الأماكن العامة تجد عائلات وزوارا يتركون وراءهم مخلفات المواد التي يستعملونها مع أن هناك مواقع محددة للتخلص منها، ولكن ربما لأن العاملة الوافدة ليست موجودة لجمع هذه المخلفات ووضعها في المكان الصحيح. اما إذا أردنا الحديث عن غياب أخلاق النزاهة والإتقان في التعاملات التجارية والاقتصادية والخدمات فإن مساحة الصحيفة كاملة لن تكفي وليس هذه الزاوية فحسب!
نتحدث عن الإصلاح السياسي والاقتصادي ولكن الأولوية هي لإصلاح حضاري وأخلاقي يبدأ من المنزل والمسجد والمدرسة يركز على أن الأخلاق ليست فقط لباس المرأة وسلوك الشباب بل كل منظومة قيم النظافة والنزاهة والصدق والإخلاص والاحترام وإتقان العمل والتي هي قيم إسلامية وعربية اصيلة يجب أن يتم تنميتها. الأخلاق تعني محاربة نزعات الأنانية والغرور والاستعلاء وعدم الاحترام والتعدي على حقوق الآخرين وعدم احترام المساحات العامة والرشوة والتلاعب والغش والفساد والفهلوة والتي تتزايد -بكل أسف- في مجتمعاتنا العربية والإسلامية!

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news