الثابت والمتغير في "تحديث المنظومة السياسية"
باتر محمد علي وردم
جو 24 :
تختلف ردود أفعال النشطاء السياسيين والرأي العام تجاه ما تم إعلانه حتى الآن من توجهات محتملة لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وخاصة في ما يتعلق بقانوني الإنتخاب والأحزاب. هذا الاختلاف طبيعي ومهم وينبغي احترامه والتأكيد عليه، وخاصة أن أجواء الحوار والنقاش التي تسود المناخ السياسي الأردني حاليا هي أجواء مهمة جدا لأنها كانت غائبة منذ فترة طويلة، وقد حان الوقت لكي يقدم كل من هو مهتم وصاحب رأي وفكر ما يمكن أن يساهم به في الوصول إلى نتائج تخدم الهدف المشترك في إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية الأردنية.
في خضم كل هذه الحوارات والأفكار المتشابكة، هنالك ثوابت ومتغيرات لا بد من التمييز بينها. الثوابت هي تلك المبادئ والأسس التي تحكم عمل اللجنة والواردة في رسالة جلالة الملك التي حددت تفويض ومهام اللجنة، والمتغيرات هي كل الأفكار والمقترحات التي يتم مناقشتها بجدية في اللجنة والصادرة من أعضائها ومن كافة القوى السياسية والاجتماعية التي تقدم مقترحاتها وآرائها الثمينة.
الثوابت واضحة من رسالة جلالة الملك ويمكن تلخيصها كما يلي:
1- إقرار إطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة قادرة على إقناع الناخبين بطروحاتها
2- الوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية
3- الاهتمام بدور الشباب والبحث في السبل الكفيلة لتحفيز مشاركتهم في الحياة الحزبية والبرلمانية
4- تمكين المرأة الأردنية من المشاركة الفاعلة
أما المتغيرات فهي تلك التي ترتبط بالتفاصيل والأدوات التي يمكن الوصول من خلالها إلى الثوابت والأهداف المطلوبة، والتي يمكن تلخيصها كما يلي:
1- أي قانون انتخابي؟: الوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية يتطلب تغييرا جذريا في صيغة قوانين الانتخابات في السنوات الثلاثين الماضية على الأقل بحيث يتم التحول التدريجي ولكن الجذري من انتخابات مبنية على الترشيح الفردي والقوائم الشخصية الهلامية إلى انتخابات مبنية على برامج حزبية. هذا يتطلب تخصيص نسبة مؤثرة للقوائم الحزبية والسياسية الوطنية بحيث لا تقل عن الثلث في الانتخابات الأولى المزمع عقدها في القانون الجديد (تقريبا في العام 2023) وتزيد إلى أكثر من النصف ثم إلى كل البرلمان في الانتخابات اللاحقة (2027 و 2031) وهذا ما يفسر الخطة التصاعدية لمدة عشر سنوات للوصول إلى برلمان حزبي برامجي بالكامل. هذه القائمة الوطنية ستكون مختبر التحديث السياسي في الأردن ولكن رحلة الوصول إليها ليست سهلة بل هي مؤلمة للبعض. أن اي مقعد نيابي سيتم تخصيصه لقوائم وطنية وحزبية يعني نقصان مقعد نيابي من المخصص للدوائر المحلية التي تم اعتمادها منذ حوالي 30 سنة واصبحت بمثابة "حقوق مكتسبة" من الصعب المساس بها. كيف يمكن عندئذ تحويل 50 مقعدا (على سبيل المثال) من أصل 130 إلى مقاعد سياسية وحزبية بدون أن تشعر بعض المناطق الانتخابي بالغبن؟ لا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال طريقة تتسم بالعدالة التامة في تحويل المقاعد من محلية إلى وطنية وبشكل متساو بين كافة الدوائر الانتخابية الحالية وبما يتناسب مع عدد الناخبين ومستوى التنمية في تلك الدوائر ومستوى التمثيل الاجتماعي بحيث لا يقع ظلم على بعض المناطق بالذات. هذا يشكل أحد أهم التحديات التي تواجه اللجنة حاليا.
2- لماذا الأحزاب؟ منذ أن ظهرت معلومات حول تخصيص القوائم الوطنية للاحزاب كانت هنالك ردود فعل ناقدة لهذا التوجه على إعتبار أن الأحزاب حاليا لا تشكل إلا نسبة قليلة من المواطنين فلماذا يتم منحها كل هذا العدد؟ الجواب على ذلك يكمن في ثلاثة محاور. الأول أن اللجنة لا تخطط حسب الوضع الحالي الهش بل حسب التغيير المأمول، وبدون حياة حزبية حقيقية ومنتشرة اجتماعيا لا يمكن بناء حياة برلمانية وسياسية سليمة. التحول نحو الحزبية بات هو الخيار الوحيد لتحديث العمل السياسي وهذا ما يطالب به كافة نشطاء العمل السياسي منذ عشرات السنين فلماذا التردد الآن في الوقت الحاسم؟ المحور الثاني هو أن الوقت كفيل بإعادة تنظيم الحياة الحزبية في السنوات الثلاث القادمة بحيث يتم إعادة تشكيل ودمج بعض الأحزاب واستقطاب شخصيات سياسية مستقلة لها وزنها إلى مجاميع حزبية برامجية وايديولوجية بحيث يمكن أن تحقق الأحزاب انتشارا جماهيريا أوسع قبل الانتخابات القادمة وبالتالي يكون التصويت لها ولربامجها من قبل ناخبين ليسوا بالضرورة أعضاء في الحزب. المحور الثالث أن وجود قائمة وطنية غير حزبية يعني تشتتا للمعايير وغيابا للمرجعيات فهذه القوائم قد تتشكل بهدف الانتخابات تم تنحل بعض ذلك وتصبح القوائم الحزبية مثل حصان طروادة لوصول سهل لبعض الشخصيات السياسية ثم الانفكاك من الحزب، ولهذا من المقترح أن يكون المقعد الذي يفوز به اي حزب مخصصا للحزب نفسه وليس للمرشح الفائز لضمان المؤسسية في استدامة مكانة الحزب في البرلمان. الفترة القادمة في السياسة الأردنية هي فترة العمل السياسي المنظم والا مكان مؤثرا للعمل الفردي.
3- كيف يحدث تمكين الشباب؟ الخيارات المتاحة أمام تمكين الشباب في العمل النيابي معروفة ومحدودة في كل التجارب العالمية وأهمها تخفيض سن المرشح وضمان تواجد الشباب في القوائم السياسية والحزبية ومن خلال قانون يضمن أن يقوم كل حزب بإدراج شاب أو شابة ضمن أول خمس أسماء في القائمة بحيث ينجح في حال تجاوز العتبة المخصصة والوصول إلى بضع مقاعد برلمانية مع وجود حوافز مالية إضافية للاحزاب التي يوجد شباب في هيئاتها القيادية ونسبة لا تقل عن 30% في الهيئة العامة. لا يوجد سبب للتخوف من نضوج الشباب الأردنيين وتجربة الانتخابات هي فرصة ثمينة للتعلم وحتى في حال لم يتمكن اي شاب ما بين 25-30 من النجاح في الدورة الأولى فإن التجربة سوف تساعده في دورة لاحقة كما تنظم نشاط الشباب السياسي في الإطار البرلماني والانتخابي والحزبي بدلا من التشتت.
4- كيف يحدث تمكين المرأة؟ النظرية الجميلة والمثالية حول أن المرأة نصف المجتمع ولا تحتاج كوتا تسقط دائما في دوامة الواقع الذي تسيطر عليه العقلية الذكورية في الترشيح والانتخاب وضعف القدرة لدى المرأة على تخصيص موارد مالية كبيرة للدعاية الانتخابية. الكوتا مكتسب سياسي مهم ولا يمكن العودة إلى الوراء ولكن يمكن البناء عليها أيضا نحو المستقبل بحيث يتم منح أدوارا قيادية للمرأة في القوائم الحزبية لتضيف فرصا جديدة للنجاح في الانتخابات وإثبات قدرة المرأة ودورها السياسي بحيث يمكن بعد دورتين انتخابيتين التخلي عن الكوتا والاعتماد فقط على العمل الحزبي السياسي الناضج لنجاح المرأة.
وفي النهاية، كل الاحترام والتقدير لكافة الآراء والقناعات التي تنتقد اللجنة وعملها، ولكن من المؤكد أننا الآن في محاولة استثنائية لتحقيق النقلة النوعية التي طالما طالبت بها الغالبية العظمى من النشطاء السياسيين في التحول إلى برلمان حزبي وبرامجي وليس برلمانا قائما على الفردية، ومن المهم استثمار هذه الفرصة وهذا الزخم في التوصل إلى أفضل منظومة تشريعية تحقق هذا الهدف وبإطار زمني منطقي وواقعي.