"مالو عِينه"
يحتضنك بشدة حتى يكاد أن يطحن عظامك أو يكسر ضلعاً من ضلوعك، ثم يُقبّلك على الخدين بقبل صوتية، ويبادرك بالسؤال:
"وينك يا زلمة، مالكْ عِينه".
"ومالكْ عِينه" هي مصطلح مركب لا يجوز تجزئته، فلا نستطيع القول كلمة (مالكْ) لوحدها، لأنها تفيد معنى آخر تماما وتفيد الاستهجان، أما "مالك عينه" فتفيد التعجب والاستلطاف المبطن لعدم رؤيتك بشكل متكرر أو الاختفاء وعدم الظهور في المناسبات.
"كيفك ، وكيف الحال والأهل،؟..
"مَختِير يا رجال،" وهذه الجملة تقال عادة مع ضحكة صفراوية وتركيز النظر على تجاعيد عينيك أو بضع الشعرات البيض برأسك.
. . "اتجوزت وإلا لسه ؟"
وقبل أن ترد على مجموعة الأسئلة، يبادرك بسؤال جديد :
وين صرت ؟
السؤال الأخير مهم جداً ومحتّم عليك، وهو يشكل محوراً في كل حديث بين شخصين لم يروا بعضهم لمدة تزيد عن شهرين أو أكثر، ومن المحتمل أن يتم سؤاله من أكثر من شخص في نفس الجلسة، وستضطر حينها إلى إعادة نفس المشهد ونفس السيناريو.
لربما تسود بعدها هنيهة من الصمت بينكما لتأخذ نفساً، لكن صاحبك يكسر الجمود بسؤال آخر:
"كيف الرواتب؟"
يكتنف هذا السؤال ذكاء وفضول .
فهو يسألك ذلك لتجيبه بالطبع:
"مستورة ، الحمد لله" .
لقد أقفلت الباب أمامه للمضي قدماً، ويفترض أن ينتهي الموضوع الى هذا الحد، لكنه يصر على معرفة التفاصيل.
" بس إنشاء الله وضعك منيح"!
سؤال استفزازي بالطبع، يدفعك لان تفصح عن كشف راتبك التفصيلي، وعلاواتك السنوية، وقروضك ، واقتطاعاتك الشهرية، شاملة سلف الادخار و التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.
قد تمضي ساعة كاملة أو أكثر بهذا الحديث، وقد يمتد حسب الظروف المحيطة بك أو وفقا لحظك وما يمليه عليك برجك في ذلك اليوم، فإذا انتهى اللقاء على هذا فقد نفذت بجلدك، أما إذا اضطررت للمكوث مدة أطول، فقد يتطرق لسؤالك عن احد الأصدقاء القدامى أو زملاء الدراسة أو الجامعة.
هنا، يوجد لديك خياران لا ثالث لهما، الأول أن تستطرد بالحديث عن صديقكم المشترك وتكون قد دخلت بدوامة جديدة وساعة أخرى من النقاش السابق، وساعتها (الله لا يردك)،
أو أن تقول وبشكل مقتضب وتحسم الموقف:
"أبصر عنه، مالو عِينه."