رأس آخر
نائل العدوان
جو 24 : تحسست رأسي ، لا يزال موجوداً.
فركت عيني ، لكن يدي اصطدمت بكتلة ناعمة الملمس، كان رأسي ملتويا كحبة كمثرى، ثقيلا لا يحتمل حركة او اهتزاز. صداع أكل مؤخرته وبرود موت لطّخ مقدمته.
انطلق صوت شخير بقربي، خِلتُ انني احلم وان الصوت مجرد وهمَ، لكن رائحة فم نتنه تحرشت بانفي, ثم عاد صوت الشخير قريباً مني هذه المرة ، ..
التفتُ بطرف عيني، واذا برأس ينام بجانبي، كان يتمرجح فوق كتفي، معلقاً لصق رأسي تماماً و مغمضاً عينيه كطفل اصابته حمى .
لم اصدق ما أراه، رقبة جديدة، فم وأسنان، عيون وأذان، لقد نما لي رأس جديد!
انتفضت من مجلسي، فكان ذلك مدعاة لان يتحرك الرأس فاتحاً عينيه.
"صباح الخير"، قالت شفتاه بصوت يشبهني، فايقنت حينها باني لا احلم .
"هل لي بكأس ماء ؟ ". اردف الرأس مبتسماً.
"كيف سرقت جسدي، من أنت ؟." تمتمت غير مدرك لما يحدث لي.
"هراء، هذا الجسد اصبح مشتركا بيننا، مصيرنا واحد، بقاؤنا وموتنا واحد، اننا باختصار واحد".
لم اخرج للعمل، بقيت متدثرا بصمتي طوال اليوم، مفجوعا بتأمل رأسي الآخر الذي نما في غفلة مني. هي مؤامرة أحيكت ضد جسدي، أطاحت بكل ما بنيته بلحظة غباء.
كان جسدي بطىء الحركة، ولا يأتمر بسهولة، فان اردت تحريك يدي فلا بد من الاستئذان من الرأس الآخر، الى درجة انني لم اعد قادرا على الحركة دون موافقة منه، ينبغي ان نقوم بالتفكير سوية ، "هل تسمح بتحريك يدي ؟
"بالطبع، تقصد يدنا"، يضحك بملء شفتيه غير آبه بحنقي.
رن جرس الهاتف، فالتقطت السماعة، لكن اسنانه انغرزت بمعصم يدي.
"احذر، لقد تعديت على حدودي، لك الشمال ولي الجنوب، لي الغرب ولك الشرق، الم تفهم بعد!".
شرح الرأس الآخر موضوع المحاصصة الجديدة باستفاضة، قال انه يخلو من أي عواطف أو مشاعر، ولما طلبت منه ايضاحاً، حدجني بنظرة استنكار قائلاً.
"هل انت غبي، اليسار لك ولي اليمين، والقلب مِلك لك فافرح به، وانا لا قلب لي، لا قلب لليمين".
وحدي اذن من سيبكي ويشعر بالوحدة، وشريكي مقتعد فوق كتفي هانىء بلعبة التقسيم.
استدرجته لنجد حلاً لهذه الشراكة، لكنه رفض ذلك بحجة عدم الشعور بأي ضيق. رجوته متذللا لكنه كان صلداً كالجدار، عندها هددته بأنني ساسحق رأسه عند أي فرصة تتاح لي، لكنه ضحك حتى سالت دموعة:
"الم اقل لك بانك غبي، اذا انتهيت انا، لن تمكث غير بضع ثوان بعدي.
من فوق انفه، طارت بعوضة، كان صوتها يلدغ صمت المكان، احتجت الى كل ذرة صبر كي احافظ على توازني، لكن البعوضة جثمت فوق رأسي مباشرة، ثم طارت من جديد لتحط فوق اقراص الدواء بجانبي.
غدت عينا الرأس تلتهم فكري، تنظر بفزع الى علبة الاقراص التي ارتمت على الطاولة.
"لا، أنت لا تفكر بذلك! قال الرأس بعينين خائفتين".
لم امهله لحظة، التقطت الاقراص، ثم ابتلعتها دفعة واحدة ...
تسللت الظلمة الى جفني غير عابئة بمقاومة شريكي، ثم انتشر بعدها خدر لذيذ الى يميني الذي بدأ يذبل ببطء.
احسست بفرحة غامرة وبخفة شديدة .
غاب صوت شريكي ولم اعد اسمعه..
وبقي صوت بعوضة وحيدة، تنتقل بحرية بين رأسين متشابهين خلت منهما الحياة.
فركت عيني ، لكن يدي اصطدمت بكتلة ناعمة الملمس، كان رأسي ملتويا كحبة كمثرى، ثقيلا لا يحتمل حركة او اهتزاز. صداع أكل مؤخرته وبرود موت لطّخ مقدمته.
انطلق صوت شخير بقربي، خِلتُ انني احلم وان الصوت مجرد وهمَ، لكن رائحة فم نتنه تحرشت بانفي, ثم عاد صوت الشخير قريباً مني هذه المرة ، ..
التفتُ بطرف عيني، واذا برأس ينام بجانبي، كان يتمرجح فوق كتفي، معلقاً لصق رأسي تماماً و مغمضاً عينيه كطفل اصابته حمى .
لم اصدق ما أراه، رقبة جديدة، فم وأسنان، عيون وأذان، لقد نما لي رأس جديد!
انتفضت من مجلسي، فكان ذلك مدعاة لان يتحرك الرأس فاتحاً عينيه.
"صباح الخير"، قالت شفتاه بصوت يشبهني، فايقنت حينها باني لا احلم .
"هل لي بكأس ماء ؟ ". اردف الرأس مبتسماً.
"كيف سرقت جسدي، من أنت ؟." تمتمت غير مدرك لما يحدث لي.
"هراء، هذا الجسد اصبح مشتركا بيننا، مصيرنا واحد، بقاؤنا وموتنا واحد، اننا باختصار واحد".
لم اخرج للعمل، بقيت متدثرا بصمتي طوال اليوم، مفجوعا بتأمل رأسي الآخر الذي نما في غفلة مني. هي مؤامرة أحيكت ضد جسدي، أطاحت بكل ما بنيته بلحظة غباء.
كان جسدي بطىء الحركة، ولا يأتمر بسهولة، فان اردت تحريك يدي فلا بد من الاستئذان من الرأس الآخر، الى درجة انني لم اعد قادرا على الحركة دون موافقة منه، ينبغي ان نقوم بالتفكير سوية ، "هل تسمح بتحريك يدي ؟
"بالطبع، تقصد يدنا"، يضحك بملء شفتيه غير آبه بحنقي.
رن جرس الهاتف، فالتقطت السماعة، لكن اسنانه انغرزت بمعصم يدي.
"احذر، لقد تعديت على حدودي، لك الشمال ولي الجنوب، لي الغرب ولك الشرق، الم تفهم بعد!".
شرح الرأس الآخر موضوع المحاصصة الجديدة باستفاضة، قال انه يخلو من أي عواطف أو مشاعر، ولما طلبت منه ايضاحاً، حدجني بنظرة استنكار قائلاً.
"هل انت غبي، اليسار لك ولي اليمين، والقلب مِلك لك فافرح به، وانا لا قلب لي، لا قلب لليمين".
وحدي اذن من سيبكي ويشعر بالوحدة، وشريكي مقتعد فوق كتفي هانىء بلعبة التقسيم.
استدرجته لنجد حلاً لهذه الشراكة، لكنه رفض ذلك بحجة عدم الشعور بأي ضيق. رجوته متذللا لكنه كان صلداً كالجدار، عندها هددته بأنني ساسحق رأسه عند أي فرصة تتاح لي، لكنه ضحك حتى سالت دموعة:
"الم اقل لك بانك غبي، اذا انتهيت انا، لن تمكث غير بضع ثوان بعدي.
من فوق انفه، طارت بعوضة، كان صوتها يلدغ صمت المكان، احتجت الى كل ذرة صبر كي احافظ على توازني، لكن البعوضة جثمت فوق رأسي مباشرة، ثم طارت من جديد لتحط فوق اقراص الدواء بجانبي.
غدت عينا الرأس تلتهم فكري، تنظر بفزع الى علبة الاقراص التي ارتمت على الطاولة.
"لا، أنت لا تفكر بذلك! قال الرأس بعينين خائفتين".
لم امهله لحظة، التقطت الاقراص، ثم ابتلعتها دفعة واحدة ...
تسللت الظلمة الى جفني غير عابئة بمقاومة شريكي، ثم انتشر بعدها خدر لذيذ الى يميني الذي بدأ يذبل ببطء.
احسست بفرحة غامرة وبخفة شديدة .
غاب صوت شريكي ولم اعد اسمعه..
وبقي صوت بعوضة وحيدة، تنتقل بحرية بين رأسين متشابهين خلت منهما الحياة.