jo24_banner
jo24_banner

الشعب السوري : حياة مؤجلة في أتون الحرب

باتر محمد علي وردم
جو 24 : أسوأ تجربة يمكن أن تمر بها اية دولة وشعبها هي الحرب. باستثناء الحاجة إلى الدفاع عن الأرض والمجتمع في مواجهة الاحتلال الأجنبي لا يوجد اي سبب ومبرر لحمل السلاح وخوض الحروب في هذا الزمن. ولكن كثيرا من الدوافع القوية تجعل ملايين الناس يحملون السلاح ليدمروا أنفسهم ودولهم أثناء محاولاتهم لتدمير أعدائهم وهذه الدوافع تتراوح ما بين الدين والقومية والأرض والمال والموارد وغيرها من المسببات التي أزهقت مئات الملايين من أرواح البشر عبر الامتداد الزمني لما يسمى “الحضارة”.

يعيش المجتمع السوري منذ سنتين اسوأ مظاهر الحرب وأكثرها بشاعة. بدأت بثورة سلمية واجهها النظام بقمع شديد وارتكب الجرائم، والتي بدورها ساهمت في تسليح المعارضة بغرض الانتقام وتدويل الأزمة بدخول أطراف عربية وإقليمية ودولية لتدعم أيا من الطرفين بالسلاح والمال لتتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية والطائفية على حساب الشعب السوري ودولته ومجتمعه.

في زمن الحرب يتخذ الناس خيارات. النظام السوري وأجهزته الأمنية وقاعدته الاجتماعية والسياسية اختارت المواجهة القاسية وحتى النهاية مع المعارضة وسحبت معها في هذا الخيار كلا من حزب الله وإيران. في المقابل اختار مئات الآلاف من السوريين الوقوف إلى جانب الثورة سواء بالعمل السياسي أو الإعلامي أو العسكري أو من خلال شبكات الدعم الاجتماعي والسياسي لمواجهة قمع السلطة. ارتكب النظام مجازر بشعة بحق المدنيين وأفراد المعارضة، وانزلقت المعارضة ايضا نحو العنف بدافع الانتقام، وتحول شاب سوري كان يعيش حياة عائلية عادية في منطقة بابا عمرو في حمص إلى شخص باحث عن الانتقام بعد تعرض مدينته وعائلته إلى القصف والتدمير والقتل إلى درجة أصبح فيها مشوه التفكير والعقل وقادرا على انتزاع وتناول قلب جندي سوري مقتول. هذا شخص صور نفسه على الفيديو ولكن هنالك الكثيرين ممن تركوا ورائهم حياتهم الإنسانية الطبيعية واصبحوا أدوات في معركة شيطانية لا مجال فيها للقيم والمبادئ.

في وسط ذلك هنالك النسبة الأكبر من الشعب السوري والتي لا هي مؤيدة للنظام إلى مستوى الدفاع عن وجوده ولا مؤيده للثورة إلى مستوى حمل السلاح والمشاركة معها. ملايين من العائلات والأفراد يعيشون في حياة مؤجلة تغيرت ملامحها تماما عن الحياة الطبيعية قبل الحرب والتي كان مسلما بها، ومفتوحة على كل الظروف في مستقبل غير مأمون. الشعب السوري يعيش الآن يوما بيوم، واقل النشاطات الروتينية مثل الذهاب إلى العمل (في حال بقيت أعمال) أو التسوق أو قيادة السيارة تشكل خطرا على الحياة.

حياة مؤجلة يسودها القلق والتوتر لا مكان فيها للفرح ولا الأمل ويدفع فيها الأطفال الثمن الكبير من حرمانهم من حقهم في طفولة سعيدة وتعريضهم للآثار الجسدية والنفسية المباشرة لقسوة الحرب وبشاعتها. من ترك سوريا لا يعيش في وضع أفضل، ومن يحاول الحصول على لقمة عيشه الآن في عمان والمفرق واسطنبول وبيروت وغيرها من الأماكن، او يعيش في خيم اللاجئين يعاني ايضا من الحنين إلى الماضي وحاضر بائس ومستقبل يحفل بالمخاوف.

خارج سوريا يصطف الناس في خنادق مؤيدة للنظام ومعارضة له ويتبادلون التهم والشتائم ومقاطع الفيديو التي تؤيد وجهة نظرهم، ولكن في داخل سوريا الحياة محطمة وقيمة النظام والثورة ما عادت لها نفس الأهمية مثل حماية حق الحياة والعائلة والمجتمع. من يريد أن يقدم خيرا وعملا نبيلا للمجتمع السوري عليه أن يساهم في الوصول إلى حل سياسي سلمي يحافظ على ما تبقى من الدولة والمجتمع ولا يساهم في المزيد من التحريض على سفك الدماء من الجانبين.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news