"الخُم"
عندما غاب الديك، تنفست أسراب الدجاج الصعداء.
قفزت دجاجة فوق كومة الحبوب المخصصة للديك ونكزتها برجليها محدثة فوضى عارمة .
دجاجة أخرى نبشت عشه بفرح غامر، بينما زغردت أخريات لخبر اختفائه .
كان غياب الديك مفاجأة للجميع، لم تصدق الدجاجات الخبر في بادئ الأمر وسرت شائعة بأن ثعلباً قد اختطفه في وضح النهار.
"هل يعقل أن ينتهي عصر الديك بهذه البساطة ؟ تندرت إحدى الدجاجات المشاكسة .
" لا بل قولي بين فكي ثعلب مبتدىء وبظروف تجلب الشبهة، تثاءبت دجاجة أخرى بابتسامة صفراوية.
"كنت أتمنى رؤية وجهه وهو يعدو خائفا مرتجفا من براثن الثعلب."
أردفت أخرى فأثارت ضحكات مجلجلة في الخُم.
سنوات عديدة مرت على حكم الديك، اعتاد الدجاج خلالها النوم بإيعاز منه، والاستيقاظ مبكرا بصياح منه، لم تجرؤ دجاجة يوما ما على مخالفة أوامره أو عصيان أي من تعليماته الصارمة.
نظرة وحيدة داخل الخم كانت كفيلة بأن يصمت الجميع، ليعلو بعدها صياح الديك متربعا فوق عشه كملك إغريقي، نافشا ريشه الملون، وناصبا عرفه كتاج يختال به أمام باقي الديوك.
لم تكن فرحة باقي الديوك أقل من الدجاجات، فقد اقترح احدهم أن "تقام حفلة شواء بمناسبة زوال الإغريقي"، وأبدى آخر رغبة بأن تكون الأفراح ليل نهار وطوال عام كامل.
أحد الديوك هتف باسم الإغريقي وحياته، وسماه بالأب الذي لا تموت ذكراه، متهماً عدة ديوك بالخيانة والتواطؤ مع الثعلب.
سقط كلام الديك على الرؤوس كالصاعقة، وحاول حكماء الديوك تهدئة الموقف واحتواء الفتنة لكن صراعا بين ديكين قد أطلق فتيل حرب لم يحسب لها حساب.
احتشدت عدة ديوك خلف الديك الموالي وأعلنت انشقاقها ، فيما تجهز فريق آخر واصدر بيانه الأول كمعارضة ضد من سماهم "بلطجية" النظام معلناً ثورة بيضاء حتى النصر.
عجّ الصخب، وتناثر القمح و أنعجن مع المياه، ثم تدحرج البيض على مرأى من الجميع مخلفاً من ورائه فوضى عارمة، لينتثر بعدها الريش مختلطاً بدماء بريئة ورؤوس فقدت أجسادها .
انكسر غروب الشمس على عراك الديوك ولوّن الخم بلون برتقالي..
لم يعر المتقاتلون أي اهتمام للون الذي غطى المكان حولهم، كان اللون يتسع وتزداد قتامته مع كل قطرة دم نازفة ..
برتقالي قان وواضح للعيان.
كانوا يلهثون...متعبين، منزوعي الريش والكلام..
تتدلى رقابهم البضة أمامهم .
التقت عيونهم عند باب الخمّ، فاتسعت الحدقات على جسد ثعلب برتقالي اللون .
هادئاً، مبتسما، وساهما في طبق العشاء.