jo24_banner
jo24_banner

جدران الكراهية!

باتر محمد علي وردم
جو 24 : بالنسبة للأردنيين المشاركين بوسائط التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر كان اليومان الماضيان سببا في الكآبة والإحباط.

لقد تحولت تلك الوسائط إلى منابر للتحريض الطائفي والسياسي والعرقي المتبادل بطريقة مثيرة جدا للقلق تعكس تناميا للشعور الانعزالي والغاضب تجاه الأشقاء العرب في الأردن. صحيح ان العوامل التي تسببت بظهور تلك التعليقات لا يمكن قبولها مثل اعتداء طاقم السفارة العراقية على مواطنين أردنيين في المركز الثقافي الملكي (أعترف شخصيا بأن وجودهم في ذلك الحدث وهتافاتهم لم يكن لها داع أصلا) أو تصريحات السفير السوري الاستفزازية حول مستقبل الأردن هي بالفعل مثيرة للإزعاج، ولكن هذا لا يبرر أبدا تعميم الغضب على الأشقاء العراقيين والسوريين وإضافة جنسيات عربية أخرى لهم في سياق الحملة!

السلوك الخاطئ وغير المقبول دبلوماسيا من طاقم السفارة العراقية يجب أن تتم مساءلته رسميا من قبل الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة لتصريحات السفير السوري وعلى الجميع احترام اسس العمل الدبلوماسي وقيم الضيافة كما يحترمها الأردن في كافة الدول العربية الشقيقة وغيرها.

في المقابل يجب التروي وعدم الاندفاع في حملة الكراهية التي لا يمكن أن تسفر عن اي خير لا للأردنيين ولا الأشقاء في بلادنا.

نعرف جميعا مدى الضغط السياسي والاقتصادي الذي يعانيه المواطن الأردني، ونفهم تلك “الحلقة الطائفية” التي باتت تشتد في المنطقة وتعبر عن اصطفافات غير حميدة وذات طبيعة سيئة، ولكن الإخوة العراقيين والسوريين في الأردن ليسوا طرفا فيها ولا يمكن أخلاقيا ولا سياسيا ولا حتى اقتصاديا أن نطرح تجاههم خطابا انعزاليا وإقصائيا. الأردن دولة بنيت على مبادئ الثورة العربية الكبرى وكل بنيانها تم بمساعدة وتعاون من الأشقاء العرب ولا يزال الأردن حتى الآن يوفر الملاذ الآمن للإخوة العرب الهاربين من الطغيان والذين ايضا يسهمون بطرق مختلفة بتطوير البلاد.

من المؤسف أن كثيرا من المثقفين والاشخاص الواعين انجرفوا إلى تيار الخطاب التحريضي ومنهم نواب وإعلاميون ايضا، إما نتيجة حماسة وطنية نبيلة بحاجة إلى توجيه أو نتيجة بحث متعمد عن شعبية سريعة. لكن المشكلة الحقيقية هي في ظهور عقليات لا تتردد بطرح مواقفها العنصرية بكل وضوح وعبر وسائل التواصل الإلكتروني التي باتت منبرا سهلا لبث الفتنة والحقد والكراهية والمعلومات المجتزأة. يصاب المرء بالذهول من حجم هذه المشاعر السوداء الموجودة داخل القلوب ويتحول الأمر إلى ذعر حقيقي في حال تخيّلنا كيف يمكن لظروف من الفوضى أن تؤدي إلى ظهور هذه المشاعر بشكل علني وأن تنعكس من خلال ممارسات يومية على أرض الواقع.

العالم مختبر واسع ومفتوح والتاريخ يعلمنا أن الدول الناجحة هي تلك التي توظف التعددية العرقية والثقافية والاجتماعية في سياق من البناء والتطور، أما الدول الفاشلة والمحطمة فهي التي تسمح أو تتغاضى عن بناء جدران الكراهية بين صفوف سكانها والقاطنين فيها. التحريض الذي يبدأ اليوم بالأشقاء العرب سيمتد ليشمل المدن والمحافظات التي نعيش فيها ثم الشوارع التي نسكنها إلى أن نحقد على ذواتنا في النهاية.

مرتكب الإساءة يجب أن يعاقب، ولكن التحريض على الكراهية العامة ليس موقفا سياسيا ولا وجهة نظر ولا حرية تعبير بل معول هدم لا يمكن إلا أن يؤدي إلى نتائج سلبية على الجميع.

الذكي هو من يتعظ بغيره، والأحمق هو من ينشر التحريض ويشعل نيرانا لا يمكن إطفاؤها بسهولة، خاصة مع توافر العديد من “الأصدقاء” المستعدين لإبقاء هذه النيران مشتعلة حتى تأكل الأخضر واليابس.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news