المرفأ
الأحبة رحلوا .....قال ثم صمت .
جف ريقه الا من بضع الدموع والملح، خدشه ذلك الصمت الذي ربض فوق المراكب والسفن ، فتمنى لو يحالفه الحظ ليسمع صوتا او حتى كلمة وداع ، تمنى حينها سماءاً زرقاء وبحراً يمتد بلا حدود.
بصوت اقرب الى الحشرجة نادى الصواري ، ارتفع صوته مرددا أسماء أصحابها
: هيلا يا واسع ، هيلا يا راجع..
نظر الى المدى ، انتظر اجابة لكن احد لم يجيب.
***
المرفأ اصبح مستنقعا للضفادع
كانت رائحة العفن تحجب الهواء، تختفي حينا لتظهر بشكل مجدد مع حركة الضفادع وارتفاع صوت نقيقها.
التفت الى الجهة التي انتشرت منها الرائحة ..
ضفادع عديدة تسلقت قامات السفن، انتشرت بامتهان من حوله .
احد الضفادع ارتقى شراعا وامسك بيده ورقة بيضاء.
كان يخطب بجموع الضفادع ، ثم يضرب على المنصة أمامه، بينما الضفادع الأخرى تحرك أياديها معلنة له الولاء والطاعة، خافضة رؤوسها في الطين.
***
اصغر من عين ضفدع ، كان المرفأ أمامه.
يضيق من حوله المكان، بجموع من الضفادع والقطط والجرذان.
قال الغريب وقد اسلم وجهته للمجهول: أي شعوذة أودت بوطني ليصبح موطئاً للضفادع والجرذان. علاقة غريبة هي التي تجمع بينهم؟.
رأى فيما رأى، قططاً تداعب الفئران، وجيوشا من الجرذان متسلحة بقطع من الجبن.
لكن الضفادع كانت هي صاحبة الأمر والنهي، تقفز بين السفن الموحلة، تحث الجماهير وتلهب همم الحراس والرعية.
اما التماسيح ، فقد كانت تبكي بدموع غزيرة.
***
هذا المرفأ ، حبيب خان عشيقته.
قال الغريب ، ثم سحب المرساة المغروزة بالطين.
راوده شعور بالتقيؤ عندما بدأت جموع القطط والضفادع بالرقص والغناء.
حاصره جنود الجرذان بغته، فسدت الطريق عليه.
من أنت ؟ قال احد الجرذان الحارسة.
أنا، أنا....لا اعرف بالضبط ، أنا غريب عن هذا الوطن !!
تلعثم الغريب ، وقد أصابته الدهشة.
كانت السماء غطاءا اسود، توشحت بأسراب الغربان في كل زواياها.
تمنى الغريب حينها ، أن يرى طيور النورس البيضاء فوق البحر، أو حتى سماع صوتها.
كتب الغريب وصيته : لم تبق لي أي زهرة اقطفها بوطني .. كل الياسمين قتل..
رفع المرساة، تحركت الجموع من حوله ، كان الماء وحلاً، بقي الغريب واجما ً، عاجزاً عن الكلام ، بينما علت ضحكات الجرذان . ثم تلتها ضحكات القطط والضفادع. وبقيت التماسيح جاثية عند اسفل المركب تبكي .