jo24_banner
jo24_banner

العلمانية المؤمنة خيارا منطقيـا للصـراع الفكـري

باتر محمد علي وردم
جو 24 : المواجهة ما بين الفكر العلماني والنظرة الاخوانية للإسلام السياسي في العالم العربي هي واحدة من أهم تداعيات الربيع العربي. هذه المواجهة تظهر حاليا في أعمق مشاهدها في مصر قبل وبعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي ولكنها موجودة بشكل أعنف في سوريا وبشكل أهدأ في تونس والمغرب والأردن وعدة دول أخرى.
وصول الاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر أثار الكثير من المخاوف تجاه منهج الدولة الدينية وقد عزز سلوك الاخوان السياسي والاجتماعي الهادف إلى “أخونة” الدولة وتنميط المجتمع هذه المخاوف ورفع من حدة الخطاب العلماني والذي بدانا نشاهد معالمه حاليا في موجة واضحة من العداء للاخوان المسلمين والإسلام السياسي بشكل عام.
مشكلة الحوار في العالم العربي أنه لا يكون “حوارا” بقدر ما هو هجوم متبادل من كافة الأطراف وضمن مستوى عال من الاتهامية والإقصائية. ربما نكون قد تعودنا على خطاب الإقصاء والتخوين والتكفير من الاخوان والسلفيين وأتباع المناهج التكفيرية ولكن متابعة الأوضاع في مصر أكدت بأن الخطاب العلماني يحمل ايضا مستوى لا يقل خطورة من الحدة والعدوانية وهذا ما يمنع إمكانية الوصول إلى حلول وسطية.
في هذا الصدد تظهر من جديد منظومة المنهج الفكري المسمى “العلمانية المؤمنة” والتي أوضحها الباحث والزميل سامر خير أحمد في كتاب صغير صدر قبل عامين ولكنه مكثف في توضيحه لما يعتبره السبيل الوحيد للخروج من أزمة النهضة في العالم العربي. حسب مفهوم العلمانية المؤمنة فهي تختلف عن العلمانية المطلقة التي ظهرت في أوروبا في عصر التنوير وطالبت بإبعاد الدين عن الدولة فالعلمانية المؤمنة تطالب بإبعاد رجال الدين عن الدولة ولكن مع إبقاء الدين مصدرا اساسيا للحضارة والثقافة والممارسة السياسية في حال اتفق عليها غالبية الشعب لأن الإسلام، وبعكس الكنيسة في العصور الوسطى لا يوجد فيه رجال دين يدعون السلطة والوصاية على الناس.
العلمانية المؤمنة تطالب بدولة ديمقراطية مدنية حديثة تتمتع بكل أسس الحضارة المتقدمة وتعتمد على تداول السلطة وتطبيق برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي منبثق من الأولويات الدنيوية المعاصرة وليس التراث الديني الذي طبق في أزمنة مختلفة شكلا ومضمونا. وبالتالي فإن العلمانية المؤمنة لا تهدف إلى “أدلجة” المجتمع سواء نحو العلمانية أو الإسلام السياسي وانما تطرح برامج ذات صبغة أخلاقية إسلامية ترتبط مع مشاكل وقضايا العصر بشكل مباشر وتربط الأسباب بالمسببات.
المبدأ الأساسي في العلمانية المؤمنة هو حرية التفكير لأنها تؤمن بأخلاقية حرية الفرد في التفكير بحثا عن الحقيقة وتعتقد بعدم جواز مصادرة حرية التفكير بإسم الله ومن قبل من يدعون تمثيله على الأرض كما تؤكد على أن الأفكار أيا كانت تظل بشرية الطابع فلا يتفق البشر إلا على حقهم في الاختلاف في إطار القانون والمؤسسات التي تنظم هذا الاختلاف وخاصة الدستور ومؤسسات الدولة.
وأخيرا ففي العلمانية المؤمنة لا يعني الإيمان بالله والسعي لتطبيق الإسلام أن يخضع المرء لآراء واجتهادات وأفكار وخواطر من يقدمون أنفسهم متحدثين بإسم الإسلام بل أن الإيمان بالله وتطبيق دينه يعنيان تركيز الجهود في البحث عن أفضل السبل لتنفيذ أوامر الله تعالى بإعمار الأرض وهو لا يمكن أن يحدث بدون حرية التفكير وفي الدنيا لا توجد “غيبيات مطلقة” بل بحث مستمر عن الأفضل تطبيقا لمصلحة الناس. أما الحساب والعقاب فيكونان عند الله يوم القيامة لا على يد من يطرحون أنفسهم ممثلين لله على الأرض.
للأسف الشديد لا يزال الفكر “الإسلامي” والعلماني معا في خانة التحدي والإقصاء والصراع وإدعاء امتلاك الحقيقة، بدون التوصل إلى نمط فكري يجمع بين المبادئ الإسلامية وتطورات العصر الحديث وبدون ذلك سوف يستمر الصراع الحاد بين التوجهات “الإسلامية” والعلمانية.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news