التعليم العالي: كلفة أقل بعدد ساعات دراسية أقل
باتر محمد علي وردم
جو 24 : في تصريحات متتالية ومبرمجة من الحكومات والجامعات الرسمية يتم التأكيد على مشكلة المديونية المالية في الجامعات وارتفاع تكاليف التدريس وضعف الميزانية المخصصة للبحث العلمي، وتظهر قضية التمويل بشكل جوهري في كل نقاشات التعليم العالي مع التحضير لضرورة رفع الرسوم الجامعية والحفاظ المستميت على نظام الموازي من قبل إدارات الجامعات والذي يتضمن اسعارا عالية جدا.
وفي هذا الصدد يتم الترويج لبعض الإحصائيات ومنها أن تكلفة تعليم الطالب الجامعي الواحد تبلغ 5000 دينار وأن الطالب يدفع منها 1000 دينار فقط سنويا. والواقع أن هذا الرقم قد يكون معدلا حسابيا لمجموعة من الجامعات لأن رسوم التسجيل تختلف من جامعة لأخرى كما أن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات الحكومية يدفعون أكثر من 1000 دينار سنويا عند تسجيلهم لثلاثة فصول، وتصل القيمة أحيانا إلى أكثر من 3000 دينار لبعض التخصصات العلمية التطبيقية.
وتبدو هذه الحسابات منطقية في حال تعاملنا مع الجامعات كمؤسسات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح، ولكن المعروف في الأردن أن التعليم يجب أن يكون حقا مكفولا للطالب. ولكن السؤال الذي لا يتم التركيز عليه يتعلق بنوعية المادة التعليمية التي نقدم للطلبة في الجامعات وهل هنالك داع لكل هذا العدد من الساعات المعتمدة؟
في الولايات المتحدة يتم حاليا العمل على تطوير برنامج طموح لإصلاح الجامعات وسياسات التعليم العالي يهدف إلى تقليص كلفة الدراسة الجامعية بعدة طرق أحدها التقليل من عدد الساعات المعتمدة بأنْ تصل إلى 120 كحد أقصى في البكالوريوس باستثناء الهندسة والطب. في الأردن يضطر الطالب الجامعي إلى أن يدرس حوالي 20-40% من المواد من خارج التخصص الدقيق وهذا أمر ليس منطقيا إذ إن هذه الساعات المعتمدة لا تمنحه الترسانة المعرفية التي يحتاجها في حياته العملية وهي عبء مالي ودراسي ليس له داع.
ربما نكون بحاجة إلى تفكير جريء من الجامعات الأردنية أو وزارة التعليم العالي بدراسة الفرص الممكنة لتقليل عدد الساعات المعتمدة والتركيز على التخصص الدقيق، ما يمنح الطالب معلومات أكثر تركيزا وعلاقة بسوق العمل وكذلك يخفف من الأعباء المالية نتيجة دفع رسوم عشرات الساعات المعتمدة التي لن تقدم للطالب الخريج اية فائدة في المستقبل.
صحيح أن تكلفة تعليم الطالب الجامعي قد ارتفعت، ولكن هذا يجب أن يناقش بالتوازي أيضا مع الانفاق الجامعي حاليا، فإذا ما تتبعنا تكلفة إنشاء مكاتب إدارات الجامعات الفخمة خلال السنوات الماضية سنجد أن غالبية ميزانيات الجامعات قد صرفت على مظاهر جمالية مخصصة للإدارة أكثر من كونها خصصت لتطوير أساليب التدريس الجامعي والمختبرات والمكتبات وغير ذلك.
أنْ نعدّ التعليم العالي نوعا من أنواع الخدمات والسلع التجارية التي لا بد من “استرداد الكلفة الحقيقية لها” سيشكل كارثة على فرص الحياة والمستقبل لكل أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة. التعليم هو العنصر الرئيس في التنمية البشرية وإذا ما ارتفعت الرسوم الجامعية سيصبح حكرا على من يملكون القدرة على دفع ثمنه، والذين يعتمدون في حياتهم على ثروة آبائهم أكثر من اعتمادهم على التعليم الذي هو في المقابل الوسيلة الأكثر أهمية لأبناء الطبقات الفقيرة والوسطى لتحقيق طموحاتهم في الحياة.
هناك حلول سهلة ومباشرة، وحلول صعبة وتحتاج إلى إبداع. الحل السهل -دائما- هو تغطية العجز المالي للجامعات من جيوب الطلبة وعائلاتهم، والحل الصعب الذي يحتاج إلى إبداع هو استثمار العقول الأكاديمية والإدارية والاقتصادية الأردنية لايجاد حلول أخرى لأزمة الجامعات دون أن تكون لها كلفة اجتماعية هائلة على أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، ولا أعتقد أن هذه العقول قد عجزت عن تطوير مثل هذه الحلول طالما هناك إرادة سياسية بالحفاظ على حقوق الطلاب الأردنيين في التعليم بكلفة يمكن تغطيتها من الاقتصاد المنزلي للعائلات المتوسطة والفقيرة.
(الدستور)
وفي هذا الصدد يتم الترويج لبعض الإحصائيات ومنها أن تكلفة تعليم الطالب الجامعي الواحد تبلغ 5000 دينار وأن الطالب يدفع منها 1000 دينار فقط سنويا. والواقع أن هذا الرقم قد يكون معدلا حسابيا لمجموعة من الجامعات لأن رسوم التسجيل تختلف من جامعة لأخرى كما أن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات الحكومية يدفعون أكثر من 1000 دينار سنويا عند تسجيلهم لثلاثة فصول، وتصل القيمة أحيانا إلى أكثر من 3000 دينار لبعض التخصصات العلمية التطبيقية.
وتبدو هذه الحسابات منطقية في حال تعاملنا مع الجامعات كمؤسسات تجارية تهدف إلى تحقيق الربح، ولكن المعروف في الأردن أن التعليم يجب أن يكون حقا مكفولا للطالب. ولكن السؤال الذي لا يتم التركيز عليه يتعلق بنوعية المادة التعليمية التي نقدم للطلبة في الجامعات وهل هنالك داع لكل هذا العدد من الساعات المعتمدة؟
في الولايات المتحدة يتم حاليا العمل على تطوير برنامج طموح لإصلاح الجامعات وسياسات التعليم العالي يهدف إلى تقليص كلفة الدراسة الجامعية بعدة طرق أحدها التقليل من عدد الساعات المعتمدة بأنْ تصل إلى 120 كحد أقصى في البكالوريوس باستثناء الهندسة والطب. في الأردن يضطر الطالب الجامعي إلى أن يدرس حوالي 20-40% من المواد من خارج التخصص الدقيق وهذا أمر ليس منطقيا إذ إن هذه الساعات المعتمدة لا تمنحه الترسانة المعرفية التي يحتاجها في حياته العملية وهي عبء مالي ودراسي ليس له داع.
ربما نكون بحاجة إلى تفكير جريء من الجامعات الأردنية أو وزارة التعليم العالي بدراسة الفرص الممكنة لتقليل عدد الساعات المعتمدة والتركيز على التخصص الدقيق، ما يمنح الطالب معلومات أكثر تركيزا وعلاقة بسوق العمل وكذلك يخفف من الأعباء المالية نتيجة دفع رسوم عشرات الساعات المعتمدة التي لن تقدم للطالب الخريج اية فائدة في المستقبل.
صحيح أن تكلفة تعليم الطالب الجامعي قد ارتفعت، ولكن هذا يجب أن يناقش بالتوازي أيضا مع الانفاق الجامعي حاليا، فإذا ما تتبعنا تكلفة إنشاء مكاتب إدارات الجامعات الفخمة خلال السنوات الماضية سنجد أن غالبية ميزانيات الجامعات قد صرفت على مظاهر جمالية مخصصة للإدارة أكثر من كونها خصصت لتطوير أساليب التدريس الجامعي والمختبرات والمكتبات وغير ذلك.
أنْ نعدّ التعليم العالي نوعا من أنواع الخدمات والسلع التجارية التي لا بد من “استرداد الكلفة الحقيقية لها” سيشكل كارثة على فرص الحياة والمستقبل لكل أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة. التعليم هو العنصر الرئيس في التنمية البشرية وإذا ما ارتفعت الرسوم الجامعية سيصبح حكرا على من يملكون القدرة على دفع ثمنه، والذين يعتمدون في حياتهم على ثروة آبائهم أكثر من اعتمادهم على التعليم الذي هو في المقابل الوسيلة الأكثر أهمية لأبناء الطبقات الفقيرة والوسطى لتحقيق طموحاتهم في الحياة.
هناك حلول سهلة ومباشرة، وحلول صعبة وتحتاج إلى إبداع. الحل السهل -دائما- هو تغطية العجز المالي للجامعات من جيوب الطلبة وعائلاتهم، والحل الصعب الذي يحتاج إلى إبداع هو استثمار العقول الأكاديمية والإدارية والاقتصادية الأردنية لايجاد حلول أخرى لأزمة الجامعات دون أن تكون لها كلفة اجتماعية هائلة على أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، ولا أعتقد أن هذه العقول قد عجزت عن تطوير مثل هذه الحلول طالما هناك إرادة سياسية بالحفاظ على حقوق الطلاب الأردنيين في التعليم بكلفة يمكن تغطيتها من الاقتصاد المنزلي للعائلات المتوسطة والفقيرة.
(الدستور)