الحقائق التي لا نريد الإعتراف بها لن تختفي
باتر محمد علي وردم
جو 24 : منذ العصور القديمة يفضل الإنسان دائما أن يعيش في أمان وفي أكثر المواقع التي تريحه. وحتى على الصعيد النفسي يفضل الإنسان دائما أن يفكر بالأشياء الإيجابية ويمارس إنكارا مستمرا لما هو غير مريح راجيا أن تختفي معالم عدم الراحة تماما. ولكن في واقع الأمر، وحتى لو كان الإنسان يفضل الافتراضات الايجابية فإن الحقائق غير المريحة ستبقى موجودة وفي حال كانت هذه الحقائق تؤثر على مستقبل الدول والمجتمعات لا يمكن الاستمرار في نكرانها وتجاهلها، وفي حالة الأردن لدينا مثال واضح وهو النتائج المتوقعة للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.
الحقائق غير المريحة التي تواجهنا جميعا هي أن المرحلة الحالية تتضمن عملا جديا للوصول إلى حل نهائي، وأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لديهما الرغبة في الوصول لهذا الحل مع وجود إصرار أكبر لدى الجانب الإسرائيلي على التمسك بمطالبه مع إدراك الإسرائيليين بأن معظم أوراق اللعبة هي بين ايديهم وهذا ما سيجعل من النتائج المتوقعة في غير المصلحة الفلسطينية. الحقيقة الثانية هي أن عوامل رفض ومقاومة هذا المشروع ضعيفة وغير مؤثرة ومن الصعب مثلا تصور “انتفاضة فلسطينية ثالثة” لأن المجتمع الفلسطيني بات وبحق مرهقا من تبعات الانتفاضات المختلفة كما أن الطرف الرئيسي الذي يقود الانتفاضات وهو حماس بات الآن في موقع الدفاع عن مكتسباته السياسية في غزة في ظل ضغط إسرائيلي-مصري مشترك وغياب كافة الدول والعوامل الداعمة له من خارج غزة.
الحقيقة الثالثة هي أن الوضع العربي في اسوأ حالاته مما يعني أنه من العبث الحديث عن موقف عربي موحد يدعم الخيار الفلسطيني. وإذا كانت أكثر المؤسسات العربية تماسكا في السابق (مجلس التعاون الخليجي) بدأت تواجه المشاكل الداخلية والإنقسامات فإن الدول العربية وعلى المستوى القطري اصبحت ايضا تواجه في أحيان كثيرة خطر تحدي البقاء وليس دعم الشعب الفلسطيني. الحقيقة الرابعة والتي تمس الأردن بشكل اساسي هي أن احتمال عودة نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم باتت خيارا في غاية الصعوبة. بالرغم من احترامنا التام للمواقف الأردنية الرسمية في رفض اية نتائج للمفاوضات لا تثمر عن عودة نسبة مؤثرة من اللاجئين فإنه من الصعب رؤية ذلك يتحقق. في نهاية الأمر سيضطر الأردن دولة ومجتمعا إلى التعامل مع تبعات أن هوية الدولة الأردنية بعد انتهاء مفاوضات الحل النهائي ستكون قريبة جدا من هويتها الحالية وهذا يعني الحاجة إلى التعامل السليم مع واقع بقاء الغالبية العظمى من المواطنين الأردنيين من اصول فلسطينية في الأردن.
المصطلحات هي المشكلة التي نواجها فهل نتحدث عن وطن بديل، وما هي تفاصيله وخصائصه، وما هي نوع التعويضات المقدمة للأردن وحجمها ومن سيدفعها وكيف سيتم صرفها، وكيف ستكون التبعات السياسية لهذا المسار خاصة في مجال التمثيل السياسي وقانون الانتخابات وحقوق الإنسان وغيرها؟
من الضروري في البداية تجاوز الهواجس القديمة. من غير المنطقي الآن الحديث عن “تهديد” لهوية الدولة والتظام بسبب التواجد الفلسطيني في الأردن لأن مغامرات السبعينيات انتهت ولا يوجد أحد في المكون الفلسطيني من المجتمع الأردني يفكر في تهديد النظام حاليا بل أن سنتين من الحراك لم تشهد مسيرة واحدة من المخيمات أو مواقع التواجد الفلسطيني. ما نحتاجه الآن نقل الحديث من الظل إلى الشمس وبمصطلحات واعية ومسؤولية وخطاب يعترف بالاحتمالات المتوقعة ولا يستمر في افتراض الآمال والطموحات. نحن جميعا في قارب واحد وعلينا أن نتشارك في الملاحة والعبور إلى البر الآمن.
batirw@yahoo.com
(الدستور)
الحقائق غير المريحة التي تواجهنا جميعا هي أن المرحلة الحالية تتضمن عملا جديا للوصول إلى حل نهائي، وأن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لديهما الرغبة في الوصول لهذا الحل مع وجود إصرار أكبر لدى الجانب الإسرائيلي على التمسك بمطالبه مع إدراك الإسرائيليين بأن معظم أوراق اللعبة هي بين ايديهم وهذا ما سيجعل من النتائج المتوقعة في غير المصلحة الفلسطينية. الحقيقة الثانية هي أن عوامل رفض ومقاومة هذا المشروع ضعيفة وغير مؤثرة ومن الصعب مثلا تصور “انتفاضة فلسطينية ثالثة” لأن المجتمع الفلسطيني بات وبحق مرهقا من تبعات الانتفاضات المختلفة كما أن الطرف الرئيسي الذي يقود الانتفاضات وهو حماس بات الآن في موقع الدفاع عن مكتسباته السياسية في غزة في ظل ضغط إسرائيلي-مصري مشترك وغياب كافة الدول والعوامل الداعمة له من خارج غزة.
الحقيقة الثالثة هي أن الوضع العربي في اسوأ حالاته مما يعني أنه من العبث الحديث عن موقف عربي موحد يدعم الخيار الفلسطيني. وإذا كانت أكثر المؤسسات العربية تماسكا في السابق (مجلس التعاون الخليجي) بدأت تواجه المشاكل الداخلية والإنقسامات فإن الدول العربية وعلى المستوى القطري اصبحت ايضا تواجه في أحيان كثيرة خطر تحدي البقاء وليس دعم الشعب الفلسطيني. الحقيقة الرابعة والتي تمس الأردن بشكل اساسي هي أن احتمال عودة نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم باتت خيارا في غاية الصعوبة. بالرغم من احترامنا التام للمواقف الأردنية الرسمية في رفض اية نتائج للمفاوضات لا تثمر عن عودة نسبة مؤثرة من اللاجئين فإنه من الصعب رؤية ذلك يتحقق. في نهاية الأمر سيضطر الأردن دولة ومجتمعا إلى التعامل مع تبعات أن هوية الدولة الأردنية بعد انتهاء مفاوضات الحل النهائي ستكون قريبة جدا من هويتها الحالية وهذا يعني الحاجة إلى التعامل السليم مع واقع بقاء الغالبية العظمى من المواطنين الأردنيين من اصول فلسطينية في الأردن.
المصطلحات هي المشكلة التي نواجها فهل نتحدث عن وطن بديل، وما هي تفاصيله وخصائصه، وما هي نوع التعويضات المقدمة للأردن وحجمها ومن سيدفعها وكيف سيتم صرفها، وكيف ستكون التبعات السياسية لهذا المسار خاصة في مجال التمثيل السياسي وقانون الانتخابات وحقوق الإنسان وغيرها؟
من الضروري في البداية تجاوز الهواجس القديمة. من غير المنطقي الآن الحديث عن “تهديد” لهوية الدولة والتظام بسبب التواجد الفلسطيني في الأردن لأن مغامرات السبعينيات انتهت ولا يوجد أحد في المكون الفلسطيني من المجتمع الأردني يفكر في تهديد النظام حاليا بل أن سنتين من الحراك لم تشهد مسيرة واحدة من المخيمات أو مواقع التواجد الفلسطيني. ما نحتاجه الآن نقل الحديث من الظل إلى الشمس وبمصطلحات واعية ومسؤولية وخطاب يعترف بالاحتمالات المتوقعة ولا يستمر في افتراض الآمال والطموحات. نحن جميعا في قارب واحد وعلينا أن نتشارك في الملاحة والعبور إلى البر الآمن.
batirw@yahoo.com
(الدستور)