القهر على هيئة شطيرة !
لعله كان طفلا مبدعا ترعاه منظمة " طلائع البعث " في سوريا، و تنمي مواهبه و تغذي فيه روح العطاء لبلده و تعفيه من ضجر وروتين العطلة المدرسية، و تملئ اوقات فراغه بما هو مفيد بدلا من ان يتسكع في الشوارع، قبل أن ينتهي به مطاف " الثورة " ركلا و صفعا على يد مدير مطعم تركي في اسطنبول، تناصر دولته " ثورة " منحرفة في سوريا، لمجرد أن الجوع غلبه فقرر أن يلتهم ما تبقي في صحون زبائن مطعم امريكي للوجبات السريعة، التي لا تهضمها المعدة، مشاركا الكلاب الضالة نصيبها !
لست مغرما حتما بعشرات سنوات فساد الحكم في سوريا سيما أن زعامات الحزب الحاكم ممن تركوا سوريا و هربوا بملياراتهم يرون في " الثورة " المزعومة سبيلا لتصفية الحسابات والانتقام الداخلي وأن خيل الثورة لم يبق تافه في سوريا إلا وامتطى سرجها , لكنني حينما أقارن بين الحد الأدنى من العيش والاستقرار ورسوخ سيادة الدولة ودفق إنتاجها وقدرتها على التكيف مع الضغوط الخارجية دون أن تغير جوهر موقفها , ولهذا لا تدعي انها أكثر من دولة " ممانعه " في حين ينبطح ما تبقى , وبين الطرف " البديل " المرشح للحكم والمصاب بالعمى الطائفي والذي هو خليط يجمع عشرات الجنسيات غير السورية أصلا من مدمني الدماء ويحظى جرحاه بالعلاج في مستشفيات " نتنياهو " ويمده بالعتاد و يغيب فوق كل ذلك خيار ثالث مدني ووطني مستقل، فإن خيار الحكم الحالي الذي ثبت طيلة هذه السنين يبقى الخيار الأفضل حتما .
لست أبرر بقاء الفساد . و إلا لكان الأولى ان أدافع عن الفساد في بلدي على اعتبار أن بلدنا , في نهاية المطاف , " موجودة " بدل من الإدعاء أنها أكثر من ذلك وان رمد الفساد اهون من عمى هكذا ثورات . و إذا كان بعض النشطاء في الأردن يعيب على أنصار النظام الحالي في سوريا أنهم يقفون مع فاسدين فإنه من حق هؤلاء المناصرين للنظام أن يعيبوا على أنصار "الثورة " من الأردنيين إنحيازهم للعنف و الدم، في حين أنهم لا يخرجون في نشاطات سليمة ضد الفساد المستفحل في الاردن الذي من المتوقع أن ينخر الدولة عن بكرة أبيها و يحيلها الى رماد !
دعك من سنديان " الثورة " ومطرقة النظام في سوريا . لنفكر في الجهة التي تتعرض للطرق بينهما . سيما أطفال سوريا الذين يموت بعضهم غرقا في بحار اوروبا قبل أن يصلوا لدولها بعد أن نجوا من بحار الدم على أرض وطنهم , و يموتون جوعا و بردا و قهرا وجهلا في دول اللجوء المحيطة بسوريا و التي لا تحظى بدعم حقيقي من دول تدعي انها تناصر حرية وكرامة الشعب السوري ودفعت أغلب لاجئيه للخروج من بلدهم للضغط على النظام، واذا بها تريحه فعليا و تشكل عبئا على الدول المحيطة التي تشكو بؤس حالها ولا تقدر على تحمل أعباء اللجوء، و التي لا يتورع بعض مسؤوليها على سرقة ما تيسر من الدعم الشحيح أصلا، ليتحمل الشعب المضيف عواقب صراع لا يخصه .
إذا كان النظام في سوريا راعيا للفساد ومتعاطيا للرشى فها هم ثوار " داعش " يطلبون مئات الملايين ثمنا لإطلاق سراح رهائن لا ذنب لهم ! و اذا كان النظام السوري شيطانا فإن باقي الأنظمة ليست ملائكة حتما !
الدولة السورية التي كان إنتاجها من الزراعة يتخمها وانتاجها من الصناعة يعفيها برد الشتاء، ها هم أبناؤها اليوم يموتون جوعا و بردا وقهرا بعد أن تورطوا في صراع دموي عنيف لم يستفيدوا منه شيئا، سوى عذاب طويل لن تمحيه السنين . و هاهو طفل لسعته سياط الجوع و نكلت به عذابات اللجوء و طعنته خناجر الغربة يحظى بمزيد من الصفع و الركل لمجرد ان نفسه سوغت له اكل بواقي طعام , فأي شيئ يليق بوجه " الإنسانية " سوى بصقة ؟!