المشكلة ليست في النظارات!
بلغ د. عبد السلام المجالي من العمر عتيا , و قد فتك به كبر السن و تبعاته حتى انه وصل الى الحد الذي يقول فيه " لا أجد سلبية واحدة لمعاهدة السلام بعد 20 عاما من توقيعها " و هو يقصد معاهدة " السلام " الموقعة بين الحكومة الأردنية – و الحكومة " الإسرائيلية " , المعروفة بمعاهدة وادي عربة.
في أعقاب توليه الوفد الاردني المفاوض صار د. المجالي ذات زمن رئيسا للحكومة في الاردن - " يصعب علي القول " الحكومة الاردنية " لان الفارق بين التوصيفين كبير ! – و نحن كشعب مترهل حضاريا و متهاون في قضاياه الوطنية نستحق حقا رؤوساء حكومات من هذه الشاكلة , و مضبطه من هكذا ختم . سيما ان المجالي نفسه كان رئيسا للحكومة حينما شربت عمان " هنيئا مريئا " أواسط التسعينات مياه مجاري المستوطنات بإعتبارها حصتنا من المياه التي قيل أن المعاهدة ضمنتها للأردن و قال الكيان يومها ان المفاوضات تحدثت عن " كمية " المياه و لم تتطرق " للنوعيه " في بادرة منه تدل على نواياه !
بعد عقدين من الزمن لا نرى أية إيجابية من هكذا معاهدة , اللهم إذا استثنينا إيجابيتها بالنسبة للطرف الذي يحتل ارضا عربية و يعتدي يوميا على المقدسات التي تخضع للأشراف " الهاشمي " في إعتداء صارخ و خروج فاضح على نصوص موقعة بين الطرفين تثبت ان الكيان لا يحترم أي اتفاقيات يوقعها معنا و يزدري " شريكة " الاردني في السلام . فلماذا نبدي حرصنا الزائد ونشتدق بإحترام الاردن لتوقيعه على إتفاق مع العدو في حين أن هذا العدو لا يقيم وزنا لتوقيعه ولا يلزم نفسه بشيء ؟ ثم لماذا لا نبدي ربع هذا الحرص على إتفاقيات موقعة مع دول عربية مثلا في مجالات شتى و منها الدفاع العربي المشترك مثلا؟!
ما الذي جنيناه من اتفاقية وادي عربة؟!
ما زلت أذكر الفترة الزمنية التي سبقت " جلب " الاردن الى قاعات المفاوضات و التي رافقتها تسويق اوهام العسل والسمن التي سترتد على الاردن لمجرد توقيعه تلك الاتفاقية , قيل حينها أن الإقتصاد الأردني سيشهد إنتعاشا غير مسبوق , و ان البلد ستمر بفترة تطور ونمو على كل الأصعدة بفضل الخبرات " الاسرائيلية " التي ستورد الينا . و تم الترويج لعقليات ميكافيلية تدعو الاردنيين للالتفات لهمومهم والتفكير بحلول لمشاكلهم على حساب حسهم القومي الذي نشأوا عليه بالفطرة . اليوم تبدو عمان ساحة مفتوحة و آمنة لعمليات ولقاءات يستفيد منه الطرف الأخر بعد أن كانت عمان منفذا دبلوماسيا مطلع التسعينات للكيان للدول العربية . صحيح أن حال الاردن كان صعبا في اعقاب مخرجات احتلال العراق للكويت و ان الظرف الدولي لم يكن يسمح للاردن أن يمتنع عن الإنخراط في تلك المفاوضات لكن تلك الظروف لم تكن لتجبر الاردن على قبول معاهدة لا تحقق له شيئا من مصالحة و اذا كان المطلوب حينها أن ننحني فلماذا بادرنا للإنبطاح الذي مازل المجالي يدافع عنه؟! فهل الأردن أضعف من لبنان الذي نجا بنفسه حينها؟!
يقول د. المجالي أن الكيان قد أعترف بفضل المعاهدة بقضية اللاجئين و هذا غير صحيح عمليا لانه لم يعترف بمسؤوليته القانونية والاخلاقية بهذا الصدد و لم يفتح باب العودة ولم يتكفل بتعويض هؤلاء اللاجئين , لا بل ان البند "ج" من المادة الثامنه في المعاهدة ينص صراحة على العمل على توطين اللاجئين والنازحين ما يعني ان من يروجون لفكرة ان المعاهدة انقذت الاردن من مشروع الوطن البديل وكفلت حق العودة غير صادقين ولربما لا يفهمون ما يقولون. ما لم نقل عنهم اكثر من ذلك!
كان الأولى لعبد السلام المجالي وهو بهذا العمر بالذات ان يطلب صفح الاردنيين وان ينتقد بموضوعية تحسب له كي يختتم بها حياته السياسية بصورة طيبة وان يتفرغ ككل رؤوساء الحكومات السابقين لجاهات الاعراس, أما أن كل نصوص المعاهدة عبارات فضفاضة لا تلزم الكيان بشيء إيجابي تجاه الاردن ومع ذلك لا يتورع من القول انه لا يرى سلبية واحدة للمعاهدة, فهذا يعني ان ثمة مشكلة.. في النظارات التي يستعملها... على الاقل!