jo24_banner
jo24_banner

عن العشائر والمواقف المتناقضة

سامر حيدر المجالي
جو 24 : هناك ما هو عصي على الفهم في تحليل العلاقة التي تربط العشيرة، ككيان وسط، بالدولة من جهة، وبأبنائها من جهة أخرى. هذا اللامفهوم يجعلك على شفا حفرة من الفصام، حيث مفاجآت العقل العشائري الذي يفصح عن مكنونات دفينة لا تستطيع التنبؤ بها مهما أوغلت انتسابا إلى العشائر وارتباطاً بعاداتها.

دعونا أولا نفرق أولا بين فعل العشائر ورد فعلها، ونضمَّ إليهما حالة ثالثة هي حالة الحياد حيث لا موقف ولا رأي. وليكن أمامنا ثلاثة أمثلة مأخوذة من أحداث حياتنا اليومية: الأول هو الحادث الذي أدى إلى استشهاد الملازم عبدالله الدعجة ( مثال على رد الفعل) والثاني هو قضية المعتقل سعود العجارمة ( مثال على الحياد) أما الثالث فهو موقف العشائر من أبنائها المتنفذين في أجهزة الدولة (مثال على الفعل اليومي المتكرر). فلكل حالة من الحالات الثلاث سيناريو مختلف ومتناقض مع الحالتين الأخريين.

وأسهل شيء يمكن فهمه هو رد فعل العشيرة النزاع إلى الصدام دمويا مع كل خصم، حتى لو كان هذا الخصم هو الدولة. هذا الرد يأخذ شكل طقوس ذات قواعد راسخة لها جملة من التداعيات التي لا تجد فيها خروجا على النص المتوارث. إنه شرارة تؤدي إلى انفجار، ونزعة تدميرية تشهر في وجه خصمها سيف الموت، إذ هي لا يحركها أساسا حدث أقل من الموت.

لكن لماذا الموت تحديدا، ربما لأنه اعتداء على كرامة العشيرة، وهذا معروف. وربما كذلك لأنه سلب لبعض روحها، وهنا تبرز بدائية الإنسان وقلقه الوجودي حين ائتلف في جماعات حفاظا على نفسه، حتى طغت الجماعة على الفرد، وبات وجودها هو عين وجوده، وأمنها هو أمنه الذاتي. ولو أن العشيرة وجدت في حضن الدولة بديلا من الأمن يقيها قلقها الوجودي، لانفضت عن طقوسها المتوارثة، وأفضت إلى عالم من السلام وسيادة القانون.

هذا يفسر حالة الجنون التي تصيب العشيرة فتقودها إلى صدام مسلح مع الدولة. لكنه لا يفسر عودة حبل الود سريعا إلى الالتئام، ولا يفسر صمت العشيرة في مواقف أخرى توجب عليها الحركة الفورية. ولن يكون هذا التفسير ممكنا إلا إذا عرفنا أن العشيرة المنضوية تحت لواء دولة، وجدت نفسها منذ زمن بعيد مضطرة الى الانخراط في علاقة براغماتية مع هذه الدولة ومكوناتها. فالعشيرة الثائرة المنتهكة لهيبة الدولة ومؤسساتها تصمت صمتا مريبا أمام ظلم فادح يمس بعض أبنائها، كاعتقالهم بسبب آراء سياسية ( حالة سعود العجارمة مثال) أو ترويعهم وتشويه سمعتهم (حالة لينا الزبن مثال آخر). علماً بأن الخصم هو نفسه في الحالتين، والزمن هو ذات الزمن

إنها حالة يشوبها الخوف والهيبة والبراغماتية. فالدولة تنين مرعب لكنه محطُّ شهوات أيضاً. والدولة خصم وحبيب. والقوة هي المحترمة دائما، لا القانون ولا العدالة. وحصة العشيرة في سوق المصالح هذه تستوجب عليها الانحناء أمام صلات وصلها بهذه السوق. بل إن واجبها كعشيرة هو العضد والدعم والتبجيل والحماية. من أجل ذلك تتغاضى العشيرة عن الفاسدين وتتظاهر من أجل حمايتهم والنأي بهم عن أي مساءلة أو عقاب.

وحين يخالط أحدكم مجتمع العشائر هذا يصيبه الهول من حجم الاحترام والتملق الذي يلقاه هؤلاء الفاسدون بين ظهراني عشائرهم والعشائر الأخرى. فهم من ناحية جزء من هذا النظام الوحشي الرابض على قلوب الناس، وهم كذلك يد العشيرة ووجهها ولسانها، ولا يهم بعد ذلك أن يكونوا لصوصا أو منحرفين أخلاقياً.

أما المصلحون، الناظرون إلى بعيد في مصلحة الوطن، فإن مصيرهم هو التجاهل، وليقبعوا في السجون عددا من السنوات، وليشرد أطفالهم وتُخَرَّب بيوتهم، ولتنتهك إنسانيتهم فهذا أمر لا يعني العشيرة، بل إنه عبء عليها وعلى أحلامها في نصيب من كعكة الوطن.

تلك هي العشيرة الرابضة بين فطرتها وهموم حاضرها. العشيرة التي هي نحن بكل تناقضاتنا وهمومنا واحتياجاتنا....
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير