... والعرب يضرسون
سامر حيدر المجالي
جو 24 :
لا حاجة بنا إلى الإقرار أن العلامة الفارقة في تركيا كانت الشعب نفسه؛ لا
كاريزما أردوغان ولا ثبات القوى السياسية التي تشكل المشهد التركي. وإن كان
هذان، الزعيم الذي يمتلك كاريزما الإنجاز والسياسة الاحترافية التي تجسدها
المعارضة مثلما تجسدها المؤسسة الحاكمة، قد ساهما في الإجهاز على انقلاب
العسكريين، غير أنهما لا يخرجان عن كونهما أيضا تجسُّدين لإرادة الشعب التي
هي فيصل التغيير في دول تحقق العدالة وتعمل من أجل التنمية.
نزول الأتراك إلى الشوارع كان له دافعان رئيسيان: دافع الممارسة ودافع الاعتبار. أما الممارسة فهي الرسوخ الديموقراطي الذي تقوم عليه مؤسسات عريقة جعلت من تركيا دولة بكل معنى الكلمة؛ كان ذلك من قبل أردوغان وتجربة الإسلاميين. هناك وآنذاك، لم يكن من مجال لأي فكرة أن تزاحم فكرة الدولة، ولم يستطع أحد أن يبزَّ الشعب في إرادته. أما صعود الإسلاميين منذ منتصف التسعينات فكان تتويجا للديموقراطية الراسخة، وإضفاء لنكهة هي حقيقة الروح التي يمتلكها الأتراك؛ أولئك الذين كانوا شعوبا متوحشة حتى هذّبها الإسلام ونقلها إلى مصاف الأمم المتحضرة.
الأتراك ليسوا آل عثمان فقط، هذا اختزال لشعب عظيم. الأتراك عمروا بغداد يوم كانت بغداد عاصمة الدنيا، وأسسوا فيها دور العلم ومنتديات الحضارة. السلاجقة خلصوا بغداد من همجية البويهيين وأعادوا للخلافة العباسية بعضا من اعتبارها. نظام الملك، التركي الذي تنطبق عليه كل مواصفات رجل الدولة أسس المدارس النظامية التي كانت درة زمانها في فنون التعليم. الأتراك كانوا فلاسفة ومتصوفة كبارا وأهل فقه ورجال حرب، فلما وحدهم آل عثمان في الأناضول أسسوا إمبراطورية عسكرية امتلكت القوة لكنها لم تتقن لعبة العلم فاضمحلت.
هذا الدرس العثماني أدركه قادة حزب العدالة والتنمية جيدا، فهم أبناء زمانهم وأبناء تراثهم، فنهضوا ببلادهم على قاعدة الندية. الذين لم يفهموا أردوغان ظنوه يحاول أن يتقمص شخصية سلطان جديد، لكنهم أغفلوا عن قصد أو استعباط أن هذا السلطان أخطر شأنا بكثير من جبابرة العثمانيين لأنه أذكى منهم، ولأنه تعلم من درسهم الذي سبّب سقوطهم، ولأنه ابن فضاء ديموقراطي، ولأن أمامه شعبا حر الإرادة، ولأن هذا الشعب مبدع في العلم وفي الأدب وفي كل الفنون.
هنا، لا ضير من تبجيل التاريخ لأن الحاضر مشرق، والنكهة طاغية. هذا درس الدروس؛ أنْ لا وجود لشعب إلا بمدد من تراثه، وبصبغة من روحه، وبنكهته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد....
أما نزولهم بدافع الاعتبار فلأنهم رأوا بعين واعية ما فعلته الانقلابات العسكرية بشعوبها. إن المثال أقرب إليهم من حبل وريد إلكتروني في بلدان تجاورهم وتتخلف عنهم بمئات السنوات الضوئية. شعوب أرادت أن تسلك مسلك الحرية فداستها بساطير العسكر، وأرادت العدالة فجزّت رقاب أطفالها نصال الخون المزينين بالنياشين. رأوا حكاما لا يصلحون أن يكونوا مهرجين في سيرك رديء. هالهم لهيب البراميل المتفجرة على بعد أمتار من حدودهم، شاهدوا كيف تلعق الطغم الفاسدة دم الأبرياء وتتلذذ بشيهم أحياء. خبروا كل هذا عن قرب؛ الدجل والكذب والنفاق واللصوصية والتدجين. أنف الأتراك أن تقودهم طغم العساكر الغاشمين إلى الهلاك. أرادوا أن يبقوا أحرارا، اشمأزوا من تقديس الأنذال، احتقروا أبواق الإعلام وإعلام الأبواق ووعاظ السلاطين ومثقفي الانهزام وتنويريي الانفصام وعلمانيي الدجل....
كنّا درسا بليغا لهم، فاتعظوا بنا، واستعاذوا بالله، إن هم صدقوا كذبة العسكر، من مصير أسود كمصيرنا....
نزول الأتراك إلى الشوارع كان له دافعان رئيسيان: دافع الممارسة ودافع الاعتبار. أما الممارسة فهي الرسوخ الديموقراطي الذي تقوم عليه مؤسسات عريقة جعلت من تركيا دولة بكل معنى الكلمة؛ كان ذلك من قبل أردوغان وتجربة الإسلاميين. هناك وآنذاك، لم يكن من مجال لأي فكرة أن تزاحم فكرة الدولة، ولم يستطع أحد أن يبزَّ الشعب في إرادته. أما صعود الإسلاميين منذ منتصف التسعينات فكان تتويجا للديموقراطية الراسخة، وإضفاء لنكهة هي حقيقة الروح التي يمتلكها الأتراك؛ أولئك الذين كانوا شعوبا متوحشة حتى هذّبها الإسلام ونقلها إلى مصاف الأمم المتحضرة.
الأتراك ليسوا آل عثمان فقط، هذا اختزال لشعب عظيم. الأتراك عمروا بغداد يوم كانت بغداد عاصمة الدنيا، وأسسوا فيها دور العلم ومنتديات الحضارة. السلاجقة خلصوا بغداد من همجية البويهيين وأعادوا للخلافة العباسية بعضا من اعتبارها. نظام الملك، التركي الذي تنطبق عليه كل مواصفات رجل الدولة أسس المدارس النظامية التي كانت درة زمانها في فنون التعليم. الأتراك كانوا فلاسفة ومتصوفة كبارا وأهل فقه ورجال حرب، فلما وحدهم آل عثمان في الأناضول أسسوا إمبراطورية عسكرية امتلكت القوة لكنها لم تتقن لعبة العلم فاضمحلت.
هذا الدرس العثماني أدركه قادة حزب العدالة والتنمية جيدا، فهم أبناء زمانهم وأبناء تراثهم، فنهضوا ببلادهم على قاعدة الندية. الذين لم يفهموا أردوغان ظنوه يحاول أن يتقمص شخصية سلطان جديد، لكنهم أغفلوا عن قصد أو استعباط أن هذا السلطان أخطر شأنا بكثير من جبابرة العثمانيين لأنه أذكى منهم، ولأنه تعلم من درسهم الذي سبّب سقوطهم، ولأنه ابن فضاء ديموقراطي، ولأن أمامه شعبا حر الإرادة، ولأن هذا الشعب مبدع في العلم وفي الأدب وفي كل الفنون.
هنا، لا ضير من تبجيل التاريخ لأن الحاضر مشرق، والنكهة طاغية. هذا درس الدروس؛ أنْ لا وجود لشعب إلا بمدد من تراثه، وبصبغة من روحه، وبنكهته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد....
أما نزولهم بدافع الاعتبار فلأنهم رأوا بعين واعية ما فعلته الانقلابات العسكرية بشعوبها. إن المثال أقرب إليهم من حبل وريد إلكتروني في بلدان تجاورهم وتتخلف عنهم بمئات السنوات الضوئية. شعوب أرادت أن تسلك مسلك الحرية فداستها بساطير العسكر، وأرادت العدالة فجزّت رقاب أطفالها نصال الخون المزينين بالنياشين. رأوا حكاما لا يصلحون أن يكونوا مهرجين في سيرك رديء. هالهم لهيب البراميل المتفجرة على بعد أمتار من حدودهم، شاهدوا كيف تلعق الطغم الفاسدة دم الأبرياء وتتلذذ بشيهم أحياء. خبروا كل هذا عن قرب؛ الدجل والكذب والنفاق واللصوصية والتدجين. أنف الأتراك أن تقودهم طغم العساكر الغاشمين إلى الهلاك. أرادوا أن يبقوا أحرارا، اشمأزوا من تقديس الأنذال، احتقروا أبواق الإعلام وإعلام الأبواق ووعاظ السلاطين ومثقفي الانهزام وتنويريي الانفصام وعلمانيي الدجل....
كنّا درسا بليغا لهم، فاتعظوا بنا، واستعاذوا بالله، إن هم صدقوا كذبة العسكر، من مصير أسود كمصيرنا....