حقوق مبلوعة
سامر حيدر المجالي
جو 24 : نستطيع أن نرى أشياء كثيرة في هذه المرحلة الجديدة من مراحل التمثيل النيابي، مرحلة النائب المشاغب، الجدلي والظاهرة التي تملأ الدنيا وتشغل الناس ثم تذوب وتضمحل مفسحة المجال لغيرها من أهل الزمالة. والظاهرة المشاغبة هنا لا تعني أداء سياسيا داخلا في صلب المهمة الملقاة على عاتق النائب، وإنما هي في أغلب الأحوال زعيق وفضائح وصوت عالٍ وخصومات حادة، ومرجلة متعَبة ومتعِبة في آن واحد...
نواب النجومية، الذين تحفل وسائل الإعلام بنقل أخبار خصوماتهم وطوشاتهم وتعدياتهم اللفظية وفضائحهم وزياراتهم السرية والمعلنة، يمكن فهمهم وعزوهم إلى التفتيت العشائري وقوانين التمثيل المجحفة في معظم الدوائر الانتخابية خارج العاصمة. لكنّ ما لا يمكن فهمه هو استنساخ هذا التدني والإسفاف من دوائر المحافظات إلى دوائر العاصمة الكبرى غير العشائرية التي تمثل طيفا واسعا من أبناء الشعب الأردني؛ وأقصد الأردنيين من أصل فلسطيني.
دعونا نفهم الموضوع، في دوائر عمان (المركزية)؛ في قلب العاصمة وليس في ضواحيها وعشوائياتها المهمشة، أي في الأماكن التي يفترض فيها أن تكون مركز إشعاع فكري وثقافي وحزبي، في هذه المناطق يصعد إلى مجلس النواب طبقة من (أبناء السوق) بالمعنى الدقيق لهذا التعبير الدارج. متعهدو بسطات، مقاولو طرق، مالكو كسارات، موردو خرسانة جاهزة، أصحاب قلابات، تجار خردة وقطع سيارات... وهلمّ جرا من مهن مشابهة. وهي بالمناسبة مهن شريفة ولأصحابها منا كل احترام وتقدير. لكن السؤال: ما علاقة هؤلاء بالسلطة التشريعية بحيث يحتلون مساحاتها كلها؟ ولماذا تكون مخرجات مئات الآلاف من الأردنيين على شاكلة واحدة، وفي مئات الآلاف هؤلاء عدد هائل من المتعلمين والمثقفين والمتنورين سياسيا واجتماعيا؟
السؤال مُلح؛ لأننا نستطيع أن نفهم ما يجري في الكرك أو الطفيلة أو عجلون. ونعرف قواعد التكتلات هناك ونوع العبث وأشكال الاختراق، لكننا في الدائرة الأولى والثانية والثالثة من عمان، نقف حائرين أمام هذه المخرجات المبهمة، الطارئة على عالم السياسة، التي يُفترض أن لها نقابات تعبر عن حاجاتها وهموم المنتسبين إليها، أو يكون لها في مجلس النواب نائب واحد أو اثنان على أكبر تقدير.
ثم، الجدلية التي يفرضها هؤلاء بأدائهم السياسي المتهور والانفعالي تربك المشهد وتخلط أوراقه وتساهم في تهميش الناس وخداعهم. فهؤلاء يميلون إلى أقاصي الجذب الجماهيري، أو النفاق في الاتجاهين؛ القاعدة الانتخابية أو النظام، بلا برامج واضحة تخدمهم وتخدم قواعدهم. وهم مجرد أدوات معزولة عن ناخبيها فلا تؤثر فيهم ولا تتأثر بهم. فالذي حرق علم إسرائيل في مجلس النواب لم يرهب إسرائيل ولم يحم غزة من بطش الصهاينة لأنه مجرد تاجر أخرق بلا هدف سياسي ولا قاعدة مؤمنة بصدقه فيما يقول. والذي تبنى منهم قضية الحقوق المنقوصة أساء إلى نفسه وقضيته حين فُضح اتصاله بالصهاينة على أعلى المستويات. ولعل أقربهم إلى الصدق هو ذاك الذي هاجم قاعدته الانتخابية وقذفها بأشنع الكلمات، وطلب منها بكل صفاقة أن تحمل (ملوخياتها) وتتجه إلى الجسر، قال ذلك تزلفا إلى النظام الذي يراقب المشهد مسرورا بهذه العينات التي تخدمه وتشكل أداة جوهرية في يده نحو مزيد من التهميش والضحك على الذقون.
هناك مشكلة حقيقية يعاني منها هذا القطاع العريض من الأردنيين، فنوابهم على ما تقدم من هذه الشاكلة. أما أرستقراطيتهم فخادمة مطيعة للنظام وغارقة في عسله منذ زمن بعيد. بل إن هذه الأرستقراطية، والحديث عنها يطول، هي التي رسخت الحالة التي نعرفها منذ ستين عاما، وهي أساس التهميش والفتنة. ولا تغرنكم شعاراتهم الكاذبة بعد التقاعد أو عند البحث عن مغنم سياسي جديد.
هذا القطاع من الأردنيين لا يعاني من حقوق منقوصة بل من حقوق مبلوعة من قبل نخبته ونوابه ورجال أعماله، الذين هم أساس بلائه قبل أي شيء آخر...
نواب النجومية، الذين تحفل وسائل الإعلام بنقل أخبار خصوماتهم وطوشاتهم وتعدياتهم اللفظية وفضائحهم وزياراتهم السرية والمعلنة، يمكن فهمهم وعزوهم إلى التفتيت العشائري وقوانين التمثيل المجحفة في معظم الدوائر الانتخابية خارج العاصمة. لكنّ ما لا يمكن فهمه هو استنساخ هذا التدني والإسفاف من دوائر المحافظات إلى دوائر العاصمة الكبرى غير العشائرية التي تمثل طيفا واسعا من أبناء الشعب الأردني؛ وأقصد الأردنيين من أصل فلسطيني.
دعونا نفهم الموضوع، في دوائر عمان (المركزية)؛ في قلب العاصمة وليس في ضواحيها وعشوائياتها المهمشة، أي في الأماكن التي يفترض فيها أن تكون مركز إشعاع فكري وثقافي وحزبي، في هذه المناطق يصعد إلى مجلس النواب طبقة من (أبناء السوق) بالمعنى الدقيق لهذا التعبير الدارج. متعهدو بسطات، مقاولو طرق، مالكو كسارات، موردو خرسانة جاهزة، أصحاب قلابات، تجار خردة وقطع سيارات... وهلمّ جرا من مهن مشابهة. وهي بالمناسبة مهن شريفة ولأصحابها منا كل احترام وتقدير. لكن السؤال: ما علاقة هؤلاء بالسلطة التشريعية بحيث يحتلون مساحاتها كلها؟ ولماذا تكون مخرجات مئات الآلاف من الأردنيين على شاكلة واحدة، وفي مئات الآلاف هؤلاء عدد هائل من المتعلمين والمثقفين والمتنورين سياسيا واجتماعيا؟
السؤال مُلح؛ لأننا نستطيع أن نفهم ما يجري في الكرك أو الطفيلة أو عجلون. ونعرف قواعد التكتلات هناك ونوع العبث وأشكال الاختراق، لكننا في الدائرة الأولى والثانية والثالثة من عمان، نقف حائرين أمام هذه المخرجات المبهمة، الطارئة على عالم السياسة، التي يُفترض أن لها نقابات تعبر عن حاجاتها وهموم المنتسبين إليها، أو يكون لها في مجلس النواب نائب واحد أو اثنان على أكبر تقدير.
ثم، الجدلية التي يفرضها هؤلاء بأدائهم السياسي المتهور والانفعالي تربك المشهد وتخلط أوراقه وتساهم في تهميش الناس وخداعهم. فهؤلاء يميلون إلى أقاصي الجذب الجماهيري، أو النفاق في الاتجاهين؛ القاعدة الانتخابية أو النظام، بلا برامج واضحة تخدمهم وتخدم قواعدهم. وهم مجرد أدوات معزولة عن ناخبيها فلا تؤثر فيهم ولا تتأثر بهم. فالذي حرق علم إسرائيل في مجلس النواب لم يرهب إسرائيل ولم يحم غزة من بطش الصهاينة لأنه مجرد تاجر أخرق بلا هدف سياسي ولا قاعدة مؤمنة بصدقه فيما يقول. والذي تبنى منهم قضية الحقوق المنقوصة أساء إلى نفسه وقضيته حين فُضح اتصاله بالصهاينة على أعلى المستويات. ولعل أقربهم إلى الصدق هو ذاك الذي هاجم قاعدته الانتخابية وقذفها بأشنع الكلمات، وطلب منها بكل صفاقة أن تحمل (ملوخياتها) وتتجه إلى الجسر، قال ذلك تزلفا إلى النظام الذي يراقب المشهد مسرورا بهذه العينات التي تخدمه وتشكل أداة جوهرية في يده نحو مزيد من التهميش والضحك على الذقون.
هناك مشكلة حقيقية يعاني منها هذا القطاع العريض من الأردنيين، فنوابهم على ما تقدم من هذه الشاكلة. أما أرستقراطيتهم فخادمة مطيعة للنظام وغارقة في عسله منذ زمن بعيد. بل إن هذه الأرستقراطية، والحديث عنها يطول، هي التي رسخت الحالة التي نعرفها منذ ستين عاما، وهي أساس التهميش والفتنة. ولا تغرنكم شعاراتهم الكاذبة بعد التقاعد أو عند البحث عن مغنم سياسي جديد.
هذا القطاع من الأردنيين لا يعاني من حقوق منقوصة بل من حقوق مبلوعة من قبل نخبته ونوابه ورجال أعماله، الذين هم أساس بلائه قبل أي شيء آخر...