عن الإيهام البلاغي في كتابات السحيجة
سامر حيدر المجالي
جو 24 : نبدأ بمثال من التراث ثم ندخل في صلب الموضوع:
"فقالَ هل رأيتَ هذه الرسائل؟ قلتُ رأيتُ جملةً منها، وهيَ مبثوثةٌ في كلِّ فنٍ نُتَفاً بلا إشباعٍ ولا كفاية، وفيها خرافاتٌ وكناياتٌ وتلفيقاتٌ وتلزيقات..."
الاقتباسُ السابق هو بعضٌ من حوارات أبي حيان التوحيدي مع مضيفه ابن الفرات في كتاب الإمتاع والمؤانسة. وقد اخترتُ هذه الفقرة دون غيرها لما فيها من بلاغة في القول وإيجاز في الجواب أثّرا في المستمع وملكا حواسه، حتى أن هذا المستمع ذهل عن النقاش وتغاضى عن محاكمة القول محاكمة عقلية موضوعية...
تلك بلاغة طاغية استُخدمت من أحد أساتذة البلاغة المعدودين في تاريخ الأدب العربي ليهرب من مأزق السؤال الذي دار حول رسائل إخوان الصفا. والواضح لمن يدقق في جواب أبي حيان أنه جواب طاغٍ بلاغياً وسقيمٌ معرفيا؛ لأن رسائل الصفا ليست نتفا من كل فن ولأنه رماها بالخرافة والتلفيق، فيما هي عمل فلسفي كبير. فآثر صاحبنا ،الذي يبدو أنه سمع عن الرسائل أو اطّلع عليها اطلاعا سطحيا، الزوغان عبر تشتيت ذهن المتلقي وتوجيه حواسه جميعها إلى حلاوة الكلمات دون مضمون العبارة.
أسلوب الجواب المُفخَّم المُفحِم بلاغياً أسلوب شائع في نسق تفكيرنا، ونحن كما تعلمون أمة مفتونة بالجزالة والشعر والبيان، حتى أنها سمَّت قوالب الشعر بحورا لما في معنى البحر من غنى وعمق وقوة. ودائما تفحمنا البلاغة وتصدمنا، وما أسهل ذلك عليها، لا سيما إذا رافقتها نبرة استعلاء...
هذا ما فعله التوحيدي بابن الفرات. والتوحيدي كان مكتَنِزا بالمعرفة والإطلاع. كانوا يسمونه أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، غير أنه لم يشأ أن يظهر بمظهر العاجز هنا فلجأ إلى خط دفاعه الأخير، لجأ إلى أداة مضمونة النتائج؛ حلّق بلاغياً فسلم من تهمة الجهل. وكان سائله، ابن الفرات، عالما مثقفا، لكنه مع ذلك انصاع لسحر البيان. فما بالكم بما تفعله البلاغة الفجة اليوم بعوام الناس وبسطائهم إذا قُرنت بنجومية ومنابر إعلامية تُصرف عليها ملايين...
ذهب أبو حيان الأديب الفيلسوف وما عاد لدينا مجالس حوارية كمجلس ابن الفرات، وورثنا عن كل ما سبق مهنة التشدق لا البلاغة، ورغبة التضليل المستمر لا الزوغان الاضطراري من موقف محرج. وبتنا أُسارى لمن ليس لهم نصيب من أدب ولا فلسفة، نجوم الإعلام والجرائد، سادة الأعمدة التي تُدرُّ على أصحابها ذهباً سلطانياً وعلى الناس مزيداً من الغفلة والجهالة. هؤلاء، خصوصا إذا تحدثوا عن الوطنية أو حاولوا الترتيل في محراب الجمال، لا يمارسون بلاغة من النوع الذي مارسه أسلاف كأبي حيان، وإنما هم يتشدقون بمحفوظات عقلية يعيدون خلطها كل صباح لإخراجها بشكل مختلف في ظاهره، متشابه في جوهره الفج السقيم...
هاكم مثالاً، يقول أحدهم في معلقة مقالية باذخة: "ومن روى هذه الدالية ..هو دم هزاع ووصفي ...وحين استشهدوا لم تسرقهم الجغرافيا من قلوب الأردنيين فكما نزف الدمع كركيا على وصفي نزفت حوران دما على هزاع فتاها وابنها البار."
هذا كاتبٌ يتحدث عن هزاع ووصفي بجُمل تدمي القلب حنينا إلى هذين الرمزين الوطنيين النظيفين. لكنَّ المشكلة هي أنّ الكاتب يسطو ببلاغته على عقل القارئ المستسلم سلفا، فيحتكر الشخصيتين لصالح فكرته، ويدّعي ادعاء إيحائيا أن الوطنية النقية هي ما يقوله هو فقط وما يفهمه هو فقط عن وصفي وهزاع. ويَظهر مكر الكاتب واضحا حين تقرأ المقال كله لتكتشف أن البيان والدفقة العاطفية الحرّى لم يكونا مدحا في وصفي وهزاع بقدر ما كانا منظومة هجائية ما انفكَّ هذا الكاتب وغيره يستخدمونها من أجل القدح في رأيٍ وطني سياسي مغاير لما يعتقدونه هم. إنها ببساطة بلاغة خداعٍ ومصادرةٍ وتجييشٍ وتمرير رأي سياسي لا أكثر ولا أقل، وليس لها علاقة بالوطنية التي لا يمكن اختزالها في أشخاص بعينهم مهما كانوا رائعين، أو تلخيصها في فكرة كاتب مهما حاول هذا الكاتب إفحامنا بلاغيا. إنها طريقة راسخة في الكذب جاءت هنا مع سبق إصرار وترصد. والمشكلة أن هذه الطريقة تنجح مع البسطاء، ومع تلك الجموع الغفيرة المُجَيَّشة والمُستقطبة جغرافيا وإقليميا وعشائريا، التي كغيرها من شعوب زمن الانحطاط العربي تهرع إلى البكائيات ومدونات الإقصاء والتشكيك وتُقَدِّس كل حرف مكتوب في جريدة بسبب انعدام الحس النقدي لديها. ويصبح هزاع ووصفي حالة مُحتَكَرة تماما، ويقيم المحتكِرون حول فهمهم للوطنية سياجا مانعا، ويحدث استقطاب، ويغدو مضمون الشخصيتين فقيرا جدا ومعتما جدا وخطيرا جدا، وتنتشي البلاغة المحفوظة التي ما زال هذا الكاتب يشكّلُها بصور مختلفة منذ سنوات عديدة مع الإبقاء على جوهرها الجامد العدائي الذي لم يخطُ إلى الأمام، معرفيا أو نفسيا، خطوة واحدة.
إنها محفوظات عقلية، وليتها كانت كبلاغة الأقدمين الذين كان لهم حظ من الابتكار. لكن نحن لا حظ لنا في هذا الابتكار، لا في البلاغة ولا المعرفة، ولا في فروسية الاختلاف، ولا حتى في أساليب المحبة والكراهية.
واحد آخر يصرّح بعشقه الوطني الخالص فيقول في أحد مقالاته: "أنا عاشق تحررت من كل العقد، فلا تتلعثمي خجلا وكوني شجاعة؛ لأن العشق كذلك هو صبر ساعة." هذه جملة محلقة بلاغيا، لكنها جاءت في ختام مقال يعج بالتخوين والتخويف والتقريع. تقريع من؟؟ تقريع أشخاص وهميين لم يُذكروا بالاسم وإنما تُركوا مبهمين لأن المراد، لا سيما مع هذه الخاتمة الجذابة، هو مصادرة مفهوم الوطنية وتزكية النفس تزكية بلاغية ماكرة أمام قاريء مستسلم، لن يخرج من هذا المقال سوى بالخوف والتشكك وموجبات الريبة.
فإن أردتم تفسير المعشوق عند هذا الكاتب ومعرفة موقفه السياسي، انظروا إلى هذا الاقتباس من مقال آخر له لتعرفوا أي نوع من الوطنية يصوغ هؤلاء بمنتهى العجرفة البلاغية الشاعرية الفجة:
"شعبك يدركها ولا يؤمن بسواها، والحقيقة هي سؤال: الأردن بلا هاشمية؛ ما معناها؟!.
أسأل الذين يغامرون أو يقامرون بها، أسألهم بالضبط : ما معناها؟.
افهموا اسمها «على خريطة العالم»، أعني أنها المملكة الأردنية الهاشمية ولا شيء سواها، واسألوا الشعب الأردني واسألوا الصديق والعدو؛ علما أن حقيقة بهذا الوضوح لا تحتاج سؤالا.. ذلك لو كانوا يفقهون.
عاش الشعب وعاش الملك..وعاشت المملكة الأردنية.. هاشمية."
اقرأوا وفسروا براحتكم...
مثال أخير: تقول إحداهن: "من أهم ما يميز الناشط الأردني كذلك هو عدم اعترافه بالحرية المسؤولة فبرأيه الحرية هي حرية مطلقة ومن حقه الشتم والذم والقدح التشهير والخوض في ذمم الناس وأعراضهم دون دليل أو برهان، وبصورة عجيبة يعتبر أن كل من اعتلى المسؤولية يكون قد أباح عرضه للناس لتخوض فيه!! بل ويعتبر النشطاء هذا الأمر حقا لهم!! وأصبح التنافس على (احلي مسبة على الدوار) أو (أجمل هتاف مسيء رنان) هو قمة ما يسعون إليه. فأصبحت بعض اعتصاماتهم أشبه بالمواقع الإباحية لا يمكن الاقتراب منها لمن هم دون الـ18 من العمر لكثرة ما فيها من البذاءة في اللفظ والتصرف."
لن أتحدث عن هذا المثال كثيرا بسبب انتفاء العامل البلاغي في الإنشاء، وإنما أريد أن أنبهكم فقط إلى أسلوب المصادرة وكذلك أسلوب المناكفة الذكورية التي تعطي الكلمات بعداً مؤثراً في جموع لا تعرف الفرق بين دليل عقلي واستفزاز غريزي. والتشبيه الوارد في الفقرة المقتبسة لكاتبة أنثى لم يكن كوميدياً بل كان ساقطا في أوحال الابتذال. والمناكفة الذكورية هنا تأكيد لنظرية الأنيموس التي تتحدث عن جزء ذكري داخل كل أنثى، يبحث عن فرصة للخروج. ولن تعدم السياسة هذا النوع من الأنيموس، ذلك أن الأنظمة في بلداننا أخذت على عاتقها أن تخرج من شعوبها كل مستنكر وشاذ.
تلك كانت بعض أفكار مع ثلاثة أمثلة سريعة عن البلاغة الموهِمة والمعاكسة للحقيقة. البلاغة التي تكشف -على رأي أستاذنا الدكتور عبدالله الغذامي- عن نسق مضمر في التفكير وفي صوغ الكلمات، نسق يجسد بلاوينا وكل ارتدادنا الحضاري، نسق لن نستطيع أن نراه إلا بمرآة الموضوعية والتحرر من سطوة الغباء...
"فقالَ هل رأيتَ هذه الرسائل؟ قلتُ رأيتُ جملةً منها، وهيَ مبثوثةٌ في كلِّ فنٍ نُتَفاً بلا إشباعٍ ولا كفاية، وفيها خرافاتٌ وكناياتٌ وتلفيقاتٌ وتلزيقات..."
الاقتباسُ السابق هو بعضٌ من حوارات أبي حيان التوحيدي مع مضيفه ابن الفرات في كتاب الإمتاع والمؤانسة. وقد اخترتُ هذه الفقرة دون غيرها لما فيها من بلاغة في القول وإيجاز في الجواب أثّرا في المستمع وملكا حواسه، حتى أن هذا المستمع ذهل عن النقاش وتغاضى عن محاكمة القول محاكمة عقلية موضوعية...
تلك بلاغة طاغية استُخدمت من أحد أساتذة البلاغة المعدودين في تاريخ الأدب العربي ليهرب من مأزق السؤال الذي دار حول رسائل إخوان الصفا. والواضح لمن يدقق في جواب أبي حيان أنه جواب طاغٍ بلاغياً وسقيمٌ معرفيا؛ لأن رسائل الصفا ليست نتفا من كل فن ولأنه رماها بالخرافة والتلفيق، فيما هي عمل فلسفي كبير. فآثر صاحبنا ،الذي يبدو أنه سمع عن الرسائل أو اطّلع عليها اطلاعا سطحيا، الزوغان عبر تشتيت ذهن المتلقي وتوجيه حواسه جميعها إلى حلاوة الكلمات دون مضمون العبارة.
أسلوب الجواب المُفخَّم المُفحِم بلاغياً أسلوب شائع في نسق تفكيرنا، ونحن كما تعلمون أمة مفتونة بالجزالة والشعر والبيان، حتى أنها سمَّت قوالب الشعر بحورا لما في معنى البحر من غنى وعمق وقوة. ودائما تفحمنا البلاغة وتصدمنا، وما أسهل ذلك عليها، لا سيما إذا رافقتها نبرة استعلاء...
هذا ما فعله التوحيدي بابن الفرات. والتوحيدي كان مكتَنِزا بالمعرفة والإطلاع. كانوا يسمونه أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، غير أنه لم يشأ أن يظهر بمظهر العاجز هنا فلجأ إلى خط دفاعه الأخير، لجأ إلى أداة مضمونة النتائج؛ حلّق بلاغياً فسلم من تهمة الجهل. وكان سائله، ابن الفرات، عالما مثقفا، لكنه مع ذلك انصاع لسحر البيان. فما بالكم بما تفعله البلاغة الفجة اليوم بعوام الناس وبسطائهم إذا قُرنت بنجومية ومنابر إعلامية تُصرف عليها ملايين...
ذهب أبو حيان الأديب الفيلسوف وما عاد لدينا مجالس حوارية كمجلس ابن الفرات، وورثنا عن كل ما سبق مهنة التشدق لا البلاغة، ورغبة التضليل المستمر لا الزوغان الاضطراري من موقف محرج. وبتنا أُسارى لمن ليس لهم نصيب من أدب ولا فلسفة، نجوم الإعلام والجرائد، سادة الأعمدة التي تُدرُّ على أصحابها ذهباً سلطانياً وعلى الناس مزيداً من الغفلة والجهالة. هؤلاء، خصوصا إذا تحدثوا عن الوطنية أو حاولوا الترتيل في محراب الجمال، لا يمارسون بلاغة من النوع الذي مارسه أسلاف كأبي حيان، وإنما هم يتشدقون بمحفوظات عقلية يعيدون خلطها كل صباح لإخراجها بشكل مختلف في ظاهره، متشابه في جوهره الفج السقيم...
هاكم مثالاً، يقول أحدهم في معلقة مقالية باذخة: "ومن روى هذه الدالية ..هو دم هزاع ووصفي ...وحين استشهدوا لم تسرقهم الجغرافيا من قلوب الأردنيين فكما نزف الدمع كركيا على وصفي نزفت حوران دما على هزاع فتاها وابنها البار."
هذا كاتبٌ يتحدث عن هزاع ووصفي بجُمل تدمي القلب حنينا إلى هذين الرمزين الوطنيين النظيفين. لكنَّ المشكلة هي أنّ الكاتب يسطو ببلاغته على عقل القارئ المستسلم سلفا، فيحتكر الشخصيتين لصالح فكرته، ويدّعي ادعاء إيحائيا أن الوطنية النقية هي ما يقوله هو فقط وما يفهمه هو فقط عن وصفي وهزاع. ويَظهر مكر الكاتب واضحا حين تقرأ المقال كله لتكتشف أن البيان والدفقة العاطفية الحرّى لم يكونا مدحا في وصفي وهزاع بقدر ما كانا منظومة هجائية ما انفكَّ هذا الكاتب وغيره يستخدمونها من أجل القدح في رأيٍ وطني سياسي مغاير لما يعتقدونه هم. إنها ببساطة بلاغة خداعٍ ومصادرةٍ وتجييشٍ وتمرير رأي سياسي لا أكثر ولا أقل، وليس لها علاقة بالوطنية التي لا يمكن اختزالها في أشخاص بعينهم مهما كانوا رائعين، أو تلخيصها في فكرة كاتب مهما حاول هذا الكاتب إفحامنا بلاغيا. إنها طريقة راسخة في الكذب جاءت هنا مع سبق إصرار وترصد. والمشكلة أن هذه الطريقة تنجح مع البسطاء، ومع تلك الجموع الغفيرة المُجَيَّشة والمُستقطبة جغرافيا وإقليميا وعشائريا، التي كغيرها من شعوب زمن الانحطاط العربي تهرع إلى البكائيات ومدونات الإقصاء والتشكيك وتُقَدِّس كل حرف مكتوب في جريدة بسبب انعدام الحس النقدي لديها. ويصبح هزاع ووصفي حالة مُحتَكَرة تماما، ويقيم المحتكِرون حول فهمهم للوطنية سياجا مانعا، ويحدث استقطاب، ويغدو مضمون الشخصيتين فقيرا جدا ومعتما جدا وخطيرا جدا، وتنتشي البلاغة المحفوظة التي ما زال هذا الكاتب يشكّلُها بصور مختلفة منذ سنوات عديدة مع الإبقاء على جوهرها الجامد العدائي الذي لم يخطُ إلى الأمام، معرفيا أو نفسيا، خطوة واحدة.
إنها محفوظات عقلية، وليتها كانت كبلاغة الأقدمين الذين كان لهم حظ من الابتكار. لكن نحن لا حظ لنا في هذا الابتكار، لا في البلاغة ولا المعرفة، ولا في فروسية الاختلاف، ولا حتى في أساليب المحبة والكراهية.
واحد آخر يصرّح بعشقه الوطني الخالص فيقول في أحد مقالاته: "أنا عاشق تحررت من كل العقد، فلا تتلعثمي خجلا وكوني شجاعة؛ لأن العشق كذلك هو صبر ساعة." هذه جملة محلقة بلاغيا، لكنها جاءت في ختام مقال يعج بالتخوين والتخويف والتقريع. تقريع من؟؟ تقريع أشخاص وهميين لم يُذكروا بالاسم وإنما تُركوا مبهمين لأن المراد، لا سيما مع هذه الخاتمة الجذابة، هو مصادرة مفهوم الوطنية وتزكية النفس تزكية بلاغية ماكرة أمام قاريء مستسلم، لن يخرج من هذا المقال سوى بالخوف والتشكك وموجبات الريبة.
فإن أردتم تفسير المعشوق عند هذا الكاتب ومعرفة موقفه السياسي، انظروا إلى هذا الاقتباس من مقال آخر له لتعرفوا أي نوع من الوطنية يصوغ هؤلاء بمنتهى العجرفة البلاغية الشاعرية الفجة:
"شعبك يدركها ولا يؤمن بسواها، والحقيقة هي سؤال: الأردن بلا هاشمية؛ ما معناها؟!.
أسأل الذين يغامرون أو يقامرون بها، أسألهم بالضبط : ما معناها؟.
افهموا اسمها «على خريطة العالم»، أعني أنها المملكة الأردنية الهاشمية ولا شيء سواها، واسألوا الشعب الأردني واسألوا الصديق والعدو؛ علما أن حقيقة بهذا الوضوح لا تحتاج سؤالا.. ذلك لو كانوا يفقهون.
عاش الشعب وعاش الملك..وعاشت المملكة الأردنية.. هاشمية."
اقرأوا وفسروا براحتكم...
مثال أخير: تقول إحداهن: "من أهم ما يميز الناشط الأردني كذلك هو عدم اعترافه بالحرية المسؤولة فبرأيه الحرية هي حرية مطلقة ومن حقه الشتم والذم والقدح التشهير والخوض في ذمم الناس وأعراضهم دون دليل أو برهان، وبصورة عجيبة يعتبر أن كل من اعتلى المسؤولية يكون قد أباح عرضه للناس لتخوض فيه!! بل ويعتبر النشطاء هذا الأمر حقا لهم!! وأصبح التنافس على (احلي مسبة على الدوار) أو (أجمل هتاف مسيء رنان) هو قمة ما يسعون إليه. فأصبحت بعض اعتصاماتهم أشبه بالمواقع الإباحية لا يمكن الاقتراب منها لمن هم دون الـ18 من العمر لكثرة ما فيها من البذاءة في اللفظ والتصرف."
لن أتحدث عن هذا المثال كثيرا بسبب انتفاء العامل البلاغي في الإنشاء، وإنما أريد أن أنبهكم فقط إلى أسلوب المصادرة وكذلك أسلوب المناكفة الذكورية التي تعطي الكلمات بعداً مؤثراً في جموع لا تعرف الفرق بين دليل عقلي واستفزاز غريزي. والتشبيه الوارد في الفقرة المقتبسة لكاتبة أنثى لم يكن كوميدياً بل كان ساقطا في أوحال الابتذال. والمناكفة الذكورية هنا تأكيد لنظرية الأنيموس التي تتحدث عن جزء ذكري داخل كل أنثى، يبحث عن فرصة للخروج. ولن تعدم السياسة هذا النوع من الأنيموس، ذلك أن الأنظمة في بلداننا أخذت على عاتقها أن تخرج من شعوبها كل مستنكر وشاذ.
تلك كانت بعض أفكار مع ثلاثة أمثلة سريعة عن البلاغة الموهِمة والمعاكسة للحقيقة. البلاغة التي تكشف -على رأي أستاذنا الدكتور عبدالله الغذامي- عن نسق مضمر في التفكير وفي صوغ الكلمات، نسق يجسد بلاوينا وكل ارتدادنا الحضاري، نسق لن نستطيع أن نراه إلا بمرآة الموضوعية والتحرر من سطوة الغباء...