jo24_banner
jo24_banner

أردنيون أقوياء

سامر حيدر المجالي
جو 24 : في الأردن يعتصم كثير من الناس بقشور القوة ومظاهرها الزائلة، ولا يحاولون فهم الأسباب الحقيقية للقوة التي عليهم أن يسعوا إليها بكل جهدهم، كي يهبوا مجتمعهم حصانة وحيوية....

حين تنظر إلى الأردنيين تشعر أن عندهم لوثة اسمها السلاح، وإدمانا اسمه الجيش، وقدرة رهيبة على ابتكار المعاني في مجال القسوة والدفاشة وإرهاب الخصم المفترض الذي لا ملامح مادية له، سوى ما يُبتَكَر يُرَوّج ويُضخّم...

والحاصل أننا لم نعد نلمس فرقاً بين مفهوم الجيش كقوة عسكرية مدربة لغايات مخصوصة، والجيش كطريقة في الاستفزاز وتحريك الغرائز ونكاية الخصوم.

لا شك أن حالة من الخوف تسيطر علينا، وما استدعاء تراثنا البدوي القتالي غير دليل أكيد على رعب خفي يسيطر على الوجدان. والذي فعله الربيع العربي أنه فاقم هذه الحالة واستنبت لها مكبوتات نفسية عميقة كانت راكدة إلى حين. فامتلأت كلمات أغانينا بالتكسير وطقطقة العظام، وغزت موسيقانا موجة جديدة يصاحب فيها اللحنَ صوتُ المدافع والرشاشات. وامتلأت كتابات صحفنا بالتجييش وتقديس العسكر والاستئثار بالوطنية التي باتت حالة دائمة من التوجس والهجوم والقلق. لم تعد الوطنية أمانا ولا استقرارا، صارت ثكنة تحوطها الألغام، وتحوّل الوطن إلى معنى محتَكَر مستفز وغير عقلاني...

سأقول لكم شيئا؛ هناك مشكلة حقيقية عند الأردنيين، وللعلم فإن نقد الذات بعض من محبتها والغيرة عليها. الوجدان الجمعي الأردني ما زال قابعاً عند قرون خلت، وقدرته على تجديد نفسه ضعيفة جدا. ليست معركتنا إصلاحا يتحقق في مجال السياسة فقط، ولا حكومات برلمانية منتخبة، ولا هراء ديمقراطيا، معركتنا في قدرتنا على تجاوز التفكير القَبَلي، وعلى النظر إلى دولتنا ككيان وظيفي يخدمنا جميعا. الدولة الأردنية ليست واجهة عشائرية موروثة عن الأجداد، الدولة منجز سياسي قابل للتمدد والتطور. والهاشميون ليسوا شيوخ عشيرة ولا ينبغي النظر إليهم بهذه الصورة في مجتمع ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين...

مفهوم الدولة شيء والوطنية شيء آخر، وقمة الضلال أن تجمع ما هو شعوري خالص بما هو مادي ووظيفي. على القبيلة أن تعود إلى حيزها الطبيعي، وأن تفسح مجالا للمفاهيم المدنية الحديثة. على المتعلمين أن يخوضوا ثورتهم الخاصة بغير دماء ولا عنف ولا صدام؛ ثورة مفاهيمية عقلانية تضع في اعتبارها أن على هذه الأرض أشخاصا سيأتون بعدنا، ومن حقهم أن نهيأ لهم وطنا آمنا قوياً...

هذه ثورة متعلمين ومثقفين فقط، وللأسف أنها ليست ثورة دولة، لأن الدولة الحالية محوطة أيضا بمفاهيم عصور بالية، وينخرها الشره والأنانية، والاعتماد عليها في شأن كهذا خسران مبين...

والقوة في أن تفهم الأشياء على حقيقتها، وتوجهها التوجيه المناسب.

twitter.com/samer_almajali
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير