الزر الأحمر
سامر حيدر المجالي
جو 24 :
الذين حضروا فيلم (Body of lies) يعرفون ماهية المشكلة الأكبر التي واجهت جهاز الـ (CIA) في حربه ضد الإرهابي المزعوم في ذلك الفيلم. كانت المشكلة عدم استخدامه أجهزة الاتصالات الخلوية؛ الأمر الذي جعله خارج نطاق الرصد والتوقعات.
يوصف هذا النوع من الأعداء بأنه "شبح"؛ يمكن لنا أن نسميه من جهتنا "يأجوج ومأجوج" القابع خلف سدٍّ منيع من هذه الشبحية. إنه عدو خارج قوانين العصر، ساكن في التاريخ، يتحرك في عالم غير منظور تكنولوجيًّا، يطلُّ لبرهة فيضرب ثم يعود إلى تاريخه، وكلما ابتعد ازداد بأسًا، وكلما غمض أكثر جُنَّ جنون راصديه.
في الهجوم الأخير على حزب الله أمكن تحقيق نجاح باهر من الناحية العسكرية.. سبعة وثلاثون شهيدًا قضوا في الهجوم، أمكن الوصول إليهم بمنتهى اليسر؛ فالتكنولوجيا عين عليك أقرب إليك ممّا تظن، وعليك أن تعلم أنها ليست وسيلة ترويج للمنتجات ولا آلة من آلات الذكاء الصناعي فحسب، لكنها شبكة تمسك بخُنّاقك ويمكنها القضاء عليك متى أُديرت بحرفية. إنك عدو مرصود مكشوف الصدر ولستَ قادمًا من التاريخ، ثم إنك أنت (المقاوم/ العربي/ المسلم) الطرف الأضعف في التعامل مع تلك التكنولوجيا؛ ليس لأنك مجرد مستهلك، وهذا قد يكون كافيًا، وإنما لأنك المغضوب عليه من "آلهة التكنولوجيا"، ولأنك الخارج على قوانين البشرية في أزهى عصور انحدارها، ولأنك محض شوكة أخيرة في حلق الشيطان الذي يوشك أن يبتلع العالم.
يُسمّي الإسرائيليون هذا النوع من التكتيكات (أي تفخيخ شيء ما بانتظار تفجيره في العدو متى لزم ذلك) "الزر الأحمر". يُعد لهذا النوع من العمليات طويلًا، قد يستغرق الأمر سنوات من التمويه وإنشاء الشركات الوهمية وإعداد الوسطاء المدربين. إنهم يعرفون كيف يفكّر الطرف الآخر، ويشتغلون على توقعاته، وينطلقون من مخاوفه، فتأتي الخطط محكمة، حتى إذا وصل الطعم إلى مكمنه، تُرك آمنًا مطمئنًا بانتظار اللحظة التي يُتخذ فيها قرار الضغط على الزر الأحمر، وغالبًا ما تكون تلك لحظة جنون ودم ودمار. ولعل السؤال المزعج بعد أن جرى ما جرى لحزب الله: إلى أي مدى عمَّم الإسرائيليون تكتيك "الزر الأحمر"؟ وكم جيشًا عربيًّا، وكم مؤسسة ذات سيادة، تقبض على موتها بيديها، بانتظار قرار من هناك بالضغط على الزر الأحمر؟
فمنذ فقدنا حقنا في الشبحية على مستوى ضمائرنا على الأقل صرنا مسوخًا حضارية، ونحن جميعًا أعداء لهم، كما يعرفون هم، وكما -ربما- لا نعرف نحن!