2024-09-02 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

يتحدثون عن الوجع في غياب الموجوعين !!

ماجد شاهين
جو 24 : تُدار ُ " احتفالات عديدة " عندنا على نحو ٍ يجلب السخط وربّما يستدعي أسئلة كبيرة و يثير الأسى والأسف ، و بخاصة في ما يتصّل بالحديث عن المرأة و حياتها البائسة في الأماكن النائية أو عن الأطفال والنقص الكبير في وسائل الترفيه والتعلّم التي تجعلهم أكثر ابتعادا ً عن التطور العلميّ والتقانيّ أو عن الأمراض المتفشّية في القرى أو بعضها و غياب وسائل و أدوات العلاج الناجعة هناك .
..
فمثلا ً !
يحمل طبيب ٌ مختصّ في طب المجتمع والبيئة كرّاسته ويرتدى حلّة قشيبة و يذهب إلى مكان انعقاد ندوة يتحدث فيها و عنوانها : أثر البيئة الفقيرة في تشكيل ملامح الحزن والكآبة على وجوه النساء في تلك المنطقة .
يتحدث الطبيب والمحاضر ُ في الأمر و يستفيض ُ و يدار نقاش و حوار طويلين ربّما عن المسألة ، يشارك فيه نفر قليل من الرجال الحاضرين و تنهض امرأة باذخة الصورة والملابس والعطر و تبث مشاعرها تجاه نساء كئيبات و تنادي بمساعدتهنّ .
يصفّق الحاضرون للمتحدثين و ينهضون جميعا ً لتناول " الشاي اللذيذ " و ما يرافقه على الطاولات و يبتسمون في وجوه بعضهم و يضربون مواعيد ندوات جديدة و يغادرون .
والندوة التي انتهت لتوّها كان فيها عشرة رجال حاولوا إشغال وقتهم بندوة فيها أحاديث نسائيّة ، و عشرون امرأة اتفقن في ما بينهنّ على تزجية الوقت بطريقة نافعة اجتماعيا ً و محاضران أو أكثر وجدا / وجدوا فرصا ً مؤاتية لاستعراض مقدرتهم على مخاطبة جمهور من المترفين .
والندوة برمّتها : لم تكن فيها نساء بائسات أو نساء من القرى المتعبة أو نساء من البيئات الفقيرة .
الندوة لم تكن فيها مجرد امرأة ممن يشملهن العنوان .
تماما ً مثلما يحدث حين تكون الندوة عن أمراض وتشققات القدمين واليدين عند المشتغلات في الزراعة و قطف المحاصيل وتحديدا ً البامياء و الالنباتات الشوكيّة و عند النساء اللواتي اعتدن على النهوض فجرا ً لمداعبة ضروع الماعز والبقر و الحصول على الحليب اللازم لصنع الأجبان والألبان وبيعها او بيع الحليب لكي تستمر الحياة بعيش ٍ معقول و لكي يتعلّم الأبناء ويكون رغيف الخبز ملائما ً للأسرة ، أو عند نساء كثيرات ينهضن قبيل طلوع الشمس لكي ينعم الأولاد بالحياة ولكي يجهزّن الزوّادات للمسافرين وللعاملين وللحصادين في المواسم .
في تلك الندوة و مثيلاتها : يتحدث المترفون والباذخون والمتنعمون وأصحاب الروائح المبهرة والملابس المدهشة ، يتحدثون عن تشققات أقدام النساء في القرى وغيرها وعن تشققات أياديهن ّ ، والمكان / الندوة / القاعة ، يبدو وتبدو فسيحاً فارها وفسيحة فارهة و الحاضرون كلّهم يتمتعون بأناقة لا مثيل لها ولا توجد امرأة واحدة ، مجرد واحدة ، ممن ينصبّ الأحاديث في الندوات عنهنّ .
يتحدثون عن نساء الحقول ولا توجد بين النساء الحاضرات سيدة حقل واحدة و يتحدثون عن الحصّادين ولا يوجد بينهم مزارع واحد و يتحدثون عن الكآبة ولا يوجد بينهم مكلوم واحد .
ويعقدون حلقات الحوار عن مرضمحدد ، ولا يكون من بين الحاضرين مريض واحد في الأقل ّ .
...
تلك أزمة الحوار عندنا و أزمة القيمة و أزمة الوجع و أزمة الوعي و أزمة الحديث عن عناوين كبيرة في حين يغيب هؤلاء أصحاب الحكايات الحقيقية والعناوين الحقيقيّة .
كأن نتحدث عن أضرار ومخاطر التلوّث البيئي ، ولا يكون من بين الحاضرين مجرد شخص واحد من المتضرّرين .

نتحدث عن أوجاع يحملها آخرون ، ونقول في غيابهم ما يلذ لنا قوله و نصدر الفتاوى والأحكام من دون ان نستمع إلى رأي أو حضور واحد أو واحدة من هؤلاء و أولئك .
تابعو الأردن 24 على google news