2024-09-02 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

قبل "تناول التمر" بساعتين !

ماجد شاهين
جو 24 : كان يبهجني كثيرا ً ، لو أنـّني وجدت ُ العازف الكهل يدندن مثل عادته في السوق أو يركن ُ إلى رصيف ٍ مشتهى و يقول في صحبه فصلا ً من سيرة الرعاة والحفاة و حكاية عن مواسم الحصاد أو المطر .
كان ذلك يفرح ُ الروح أو ينعش ما نحمله من بقايا قلب و ذاكرة ،
ولكن :
الفتى الذي توضـّأ للمغرب قبل موعده بساعات ثلاث وأزيد ، دسّ جسده بقميص ٍ وبنطال ٍ خفيفين و خف ّ إلى الشارع ِ يرجو أن ينال من وجوه الناس ما يشتهي في انتظار أن يحين موعد الإفطار أو موعد ٌ كان ضربه لزيارة أو للقاء صديق هنا أو هناك .
الفتى بهيئته الخفيفة و بـ ِ جيب في القميص يتّسع لقلم صغير
و ورقة مطويّة و أقراص دواء قليلة قد تنفع حين وجع في الصدر ، رفع يده هنا وهناك تحيّة لجيران في الأرصفة والتراب وسار إلى شارع ٍ مكتظ ّ بالناس والبضائع و العربات والأشواق ، حيث يبعث العاملون الوافدون ، وهم كثيرون ، من عيونهم وقلوبهم رسائل محبتهم إلى أهلهم و بلادهم .
هنا رائحة اللحوم تنبعث من عند قصّابين أخذوا مواقعهم في السوق على جانبيّ الطريق و هنا خائطو الملابس وراتقو الأردية يتثاءبون و ينتظرون أن يأزف موعد تناول شايهم و قهوتهم و سجائرهم التي لا يحرقون بها قماش الناس ، وقد يحرقون جيوب الفقراء بأثمان الأردية الباهظة .
هنا محالّ أحذية تعلّق قديمها و جديدها قريبا ً من رؤوس العابرين فترتطم بالرؤوس أو تكاد والإسكافيّ المجاور يخرج المسامير من فمه و يعمل فيها ضرباً في أقفية الأحذية فتصير مؤهّلة للإسفلت والتراب و أقدام أصحابها .
هنا باعة رصيف ٍ ينادون في الناس ، أن تعالوا إلى " أعشاب ٍ خضراء " تنفع البيوت وفي جوارها يقف باعة سراويل و أدوات تلزم الوجوه والشعر، يعرضون ما عندهم للمتسوّقين أو للمارّين في الأنحاء .. ثمّة امرأة تبحث عن سروال لزوجها و هناك رجل ٌ يشتري مشطاً ينفع لما بقي في رأسه من شعر .
والخائطون منشغلون ، منهم من يوصل القماش بالقماش لكي يغدو ثوباً أو بنطالاً أو قميصاً ، و منهم من يتفحّص جسد الزبون ويقيس محيط خصره .
هنا تخرج امرأة بأرغفة خبز ٍ كان الخبّاز أخرجها للتوّ من بيت النار ، فيما يدلف إلى المخبز رجل ٌ يحمل قليلاً من اللحمة المفرومة سعياً لكي يجعلها الخبّاز على هيئة أقراص لحم بالخبز بعدما يرقـّق قلب العجين و يرمي في الأقراص ما يلزم من لحم مهيّأ للنار .
هنا الفاكهة والخضار ، ممّا قد تشتهي العين ، فإمّـا تستطيع الجيوب إليها سبيلا ً وإمّا يكتفي الفقير بالعبور في سرعة مع نظرة مسروقة وحسب إلى ألوان الخضار والفاكهة .
هنا محالّ الملابس والأحذية يعرضون بضائعهم استعداداً لموسمهم و لجنون الناس ، و تخرج المحال ما في بطونها إلى الأرصفة وتفيض بها إلى الشارع فيضيق على العابرين .
هنا باعة الشاي والبنّ والعصائر يأخذون أماكنهم في زوايا السوق ومحالّهم و يترقبون هبوط الزبائن لكي يصير الماء بالبنّ والشاي سلعة للمشتهين .
هنا ،
و هنا هذا يسلّم على ذاك و آخر يشدّد في دعوته لصديقه لكي يتناول عنده ومعه طعام الإفطار و آخرون يقفون في انتظار الحصول على احتياجاتهم من الحلوى ، القطايف والهريسة و العوّامة و الفلافل ، و غيرهم يحمل أكياسه و يتجه إلى الباص حيث تكفيه ربع ساعة للوصول إلى داره في الجوار .
هنا و هناك ، أراني قريباً من صحن المدينة العتيقة ، من مركز قلبها الذي يجمع مسجداً تحوطه كنيستان .. كانت ولا تزال مياه الناس في المكان واحدة والهواء يطير المحبّة إلى هنا وهناك .
ثمّ ، هبوطاً أعود إلى هناك ، أو هنا ، فــ َ أجدني في الدار ، أجلس إلى مائدة هادئة ، أتناول حبّات تمر كما ينبغي و أحمد الله على نعمه التي لا تُحصى و ينتهي يوم صيام و صوم ، و يغدو الأمر لذيذاً حين أدلق في جوفي وبهدوء كأس لبن مخيض .
و أحمد الله على نعمة المرحبا التي القاها من الناس في كلّ حين ، في الطريق وفي الرصيف و في الأماكن كلّها .
و المرحبا تلك نعمة و محبّة وخير و ميزة و شجرة وارفة تظلّلني في عزّ القيظ و سواه .
و هنا ، أقول : طوبى للفقراء الصابرين .
تابعو الأردن 24 على google news