"الحلّ هو الحلّ".. حلقات إعادة التدوير ورداءة الإخراج في مسلسل المغامرة
"الحل هو الحلّ".. شعار طرحه البعض باعتباره مخرجا من عنق الأزمة التي يحاول صناع القرار إدارتها وفق رؤية المركز الأمني- السياسي، دون التفكير في معالجتها أو الوقوف على أسبابها.. فيما يعتبر أصحاب شعار "الحلّ" أن كل شيء سيصبح على خير ما يرام في حال تم "حلّ" الحكومة والمجلس النيابي، الأمر الذي يبقي "الطرح والطرح المضاد" في الدائرة المغلقة لـ "إدارة الأزمة" ومن ثم إعادة تدويرها.
حلّ البرلمان كان على الدوام مآل المجالس النيابية المتعاقبة على "إدارة" قانون الانتخاب، أما حلّ الحكومة فكان يتم قبل أن يجف حبر كتاب التكليف لمختلف رؤساء انعدام الولاية العامة، لتسجل الحكومات الأردنية رقما قياسيا –لم يشهده التاريخ السياسي لأية دولة- في سرعة التشكيل والحلّ.. ورغم هذا بقيت الأزمة وغاب "الحلّ".
الأزمة السياسية التي أحكم مطبخ التأزيم قبضتها على المشهد الأردني، ليست سوى انعكاس باهت للأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتفاقمة، والتي تجذرت في أدق تفاصيل المجتمع حتى باتت مستعصية على منطق إدارة الأزمة، في حين يعتقد بعض كهنة الترف السياسي أن حلّها يكمن في جرّة قلم.
أما إدارة حكومة الطراونة لهذه الأزمة، فتبلغ من "الشفافية" درجة تستطيع فيها أن تكشف كل ما يدور في ذهن المركز الأمني- السياسي، الذي سخّر الدورة الاستثنائية لإقرار قانون المطبوعات، في الوقت الذي اعتبر فيه أن اعتقال نشطاء الحراك سيمكنه من وضع نهاية للربيع الأردني.. ليبدأ هذا المركز بالانتقال من موقع إدارة الأزمة إلى موقع تجاهلها عبر إغلاق صفحات الإعلام المستقل وزج عدد من النشطاء في السجون، واعتبار أن شيئا لم يكن !!
ودون أن تتطرق السلطة لقوانين الضريبة، والضمان، والمالكين والمستأجرين، تمضي في تجنيد كتائبها من الإعلاميين والموظفين لإقناع الناس بالتسجيل لعملية انتخابية لا يشارك فيها أي طرف سياسي سوى السلطة نفسها، في الوقت الذي يصر فيه أصحاب القفازات الحريرية والأقلام الناعمة على أن "حلّ" حكومة الطراونة ومجلس المطبوعات سيعيد الأمور إلى سياق المنطق وينهي لعبة العبث السياسي !!
ويستمر المركز الأمني- السياسي في لعبته المغامرة، بعد أن جدد الحرس القديم نذوره لحلفائه في "القطاع الخاص"، واعدا بإنهاء الحراك تمهيدا لحلقة أخرى من سلسلة "الاستثمار" و"تنمية الديون"، في الوقت الذي تسربت فيه أنباء حول فك التجميد عن قرار رفع الأسعار مطلع العام المقبل.. وفي ضوء هذه التوجهات، يواصل المركز العتيد حملة الاعتقالات ضد نشطاء الحراك، حيث من المتوقع أن تتسع دائرة المعتقلين لتشمل النشطاء الذين لم يتجاوزوا ما اتفق على تسميته بـ "الخطوط الحمراء"، في حال لم تكن الخطوة الأولى كافية لإنهاء الحراك !!
إغلاق النافذة على مشهد الأزمة دون الاقتراب من جذورها، يعكس حماسة النفس المغامر لدى صناع القرار الذين تفتقت أذهانهم عن فكرة "التسييج" لمنع التظاهرات السلمية، فهل من الممكن أن يصدر قرار بوضع سياج على طول الحدود الأردنية، واعتقال الشعب، في حال لم ينته الحراك خلال الأشهر القليلة القادمة، كما تتمنى حكومة الظلّ ؟!
نصيحة من إحدى الدول الصديقة قد تدفع السلطة إلى التراجع خطوة للوراء، فتفرج عن معتقلي الرأي دون أن تقرر إلغاء (وليس تجميد) قرار رفع الأسعار.. غير أن حكومة الظلّ لن تسمح بالمضي في أكثر من هذه الخطوة، حيث تقف العديد من كتائب التدخل السريع على أهبة الاستعداد لتعيد الأمور إلى "نصابها" الأمني- السياسي، في حال بدرت عن صاحب القرار أية إيماءة أو لفتة نحو إجراء إصلاحي بسيط يضمن حالة الاستقرار في البلاد، ليتم الاكتفاء بـ "الحلّ" باعتباره الحلّ الأمثل !!
وتستمرّ مغامرة السلطة.. ولكن ما هو الحلّ الذي قد تلجأ إليه في حال عودة هبة نيسان ؟؟ تلك الهبة تم احتواؤها عبر إصلاحات سياسية لم تشمل البعد الاقتصادي- الاجتماعي.. ليؤدي تفاقم الأزمة على مستوى البنية التحتية إلى ما نشهده من حالة غليان تزامنت مع تطورات إقليمية لم يتنبأ بها أحد من مثقفي الأبراج العاجية أو جلاوزة صناعة القرار..