اسألوا الحرّاس.. من قوّض الوطن ؟!
لا يعلم الأردنيون كيف يمكن لهتاف أو شعار أن يقوّض نظام الحكم، غير أنّ هذه التهمة لم تعد غريبة عن محافل القانون، بل باتت تتردّد بين أروقة المحاكم العسكرية أكثر ممّا يمكن لكلمة العدالة مثلا أن تتردّد في مختلف مؤسّسات الدولة..
شباب في مقتبل العمر آمنوا بوطنهم، واعتنقوا فكرة تحريره من كافة أشكال الفساد.. وكانت النتيجة زجّهم في السجون والمعتقلات.. ولا نريد أن نذكر هنا بأنه كان من الأولى محاكمة من "ٌقوّضوا" الاقتصاد الوطني ورهنوا واقع ومستقبل الأردن لمصالح المستثمر الأجنبي.. بل كلّ ما كان يتوقعه الشعب من السلطة التي أشبعته بخطابات الإصلاح المنتظر، أن تتوقف عن المغامرة بالوطن، وتكفّ أيديها عن قوت الناس، ولكن الرجل الذي وصف نفسه بأنّه "أقوى من المخابرات" لم يملك إلاّ الانصياع لتوجيهات حكومة الظلّ، ويطلق العنان لسياسة التجويع عبر رفع الدعم عن المشتقات النفطيّة.. وعندما دافع هؤلاء الفتية عن لقمة عيش المواطن وكرامته، كانت النتيجة هي استمرار السلطة في مغامرتها، والإمعان بمحاولات تركيع الشعب، عبر مقاربة أمنيّة أثبتت فشلها في العديد من دول الجوار.
نحو 300 مواطنا تم اعتقالهم خلال هبّة تشرين، كما تمّ تحويل 99 مدنيا إلى محكمة أمن الدولة.. أمّأ الرئيس "القوي" -الذي سبق وأن استقبل معتقلي الرأي الثمانية عشر في دار الرئاسة، في محاولة لإثبات ذاته- فلم يتمكن من إخلاء سبيل أيّ من المعتقلين، وفاءً بوعده لنقيب المحامين، بل واصلت الأجهزة الأمنيّة حملتها المحمومة باعتقال المزيد من النشطاء.
لست ممّن يعشقون السرد.. ولكن قبل الكتابة عن الأحرار في السجون، يجب أن لا ننسى القضيّة التي اعتقلوا من أجلها، والتي تتلخص بثلاث كلمات.. خبز.. حريّة.. عدالة اجتماعيّة.. فهذا أقلّ ما يمكن فعله تجاه المعتقلين، وهو مواصلة الطريق الذي تمّ اعتقالهم لأنّهم حثوا الخطى والأرواح على المضي فيه.
حبّهم للوطن وإيمانهم بالشعب، واستعدادهم العالي للتضحيّة والإيثار، هو ما اصطفاهم لسجون السلطة.. وأدرك تماما ما الذي جعل الناشط في حراك حيّ الطفايلة، براء السعود، يتحدث عن رفيق دربه عدنان الهواوشة ويطالب بالإفراج عنه -ناسيا نفسه- عندما نقل رسالته من داخل سجنه..فكلّ ما كان يحرص عليه براء هو توفير الرعاية الصحيّة لعدنان، الذي فقد عينه اليسرى في اعتداء للبلطجية على مسيرة ذيبان، التي شارك فيها قبيل اعتقاله.. أمّا عدنان فقد اختصر المسألة في كلمات لا تملك إلا ان تنحني أمامها: "لا تهمني عيني التي فقدتها.. فتلك ضريبة الحريّة".
التضحية التي اعتنقها هؤلاء الشباب فداء لوطنهم وشعبهم، هي ما دفعهم للنزول إلى الشارع ومن ثمّ للاعتقال، لا لشيء، إلاّ لأنهم دافعوا عن الشعب، ورفضوا تقويض أحلام الوطن التي يحاول الفساد اختطافها من عيون الأردنيين.
من آمن بشعبه وآثر المضيّ في درب التضحية، يكون مصيره السجن، أمّا أولئك الذين مارسوا أبشع أشكال الاعتداء على ثروات ومقدّرات الوطن، فيحتكرون السلطة والثروة.. هذه هي بكلّ بساطة المعادلة التي أفرزت منطق المركز الأمني- السياسي.. المنطق الغريب الذي يمكن تلخيصه بتهم "تقويض النظام" و"التجمهر غير المشروع".. ولكن، هل سأل حرّاس سجون السلطة ومعتقلاتها أنفسهم: من قوّض الوطن ؟!