jo24_banner
jo24_banner

طائفيّة دون طوائف !!

تامر خرمه
جو 24 :



حالة غريبة هيمنت على طرح النخب التي طرحت نفسها في يوم من الأيّام على أنّها ذلك الشيء المسمّى ب "الطليعة المثقّفة الثوريّة" وفقا لكلاسيكيّات خمسينيّات القرن الماضي، حيث بدأت تلك "الطليعة" بطرح خطاب طائفيّ على مختلف منابر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في ذات الوقت التي أصدرت فيه جماعة الاخوان المسلمين (التنظيم الذي يتّخذ من المذهب الديني أساسا لمنطلقاته الفكريّة) بياناً تحذّر فيه من إثارة النعرات الطائفيّة !!

مشهد لا يبعث إلاّ على الدوار، هذا إن لم يحرّض على القيء، بات يهيمن على المشهد الأرني بعد أن قرّر عدد من كتّاب "السيستيم" تبنّي قضيّة الصديقين اللذين تعرّضا للاعتداء المدان على يد حرس السفير العراقي.. ففجأة ودون سابق إنذار وجدنا كتّاب السلطة يتسابقون إلى تبنّي هذه القضيّة وإعادة طرحها بمفردات موغلة في الطائفيّة، في محاولة مكشوفة لخلق طواحين هواء تشغل الرأي العام بهوس حربها قبيل زيارة رئيس الوزراء "الاسرائيلي" شمعون بيريز إلى البلاد.

وما لبثت الحكاية أن تحوّلت إلى رأي عام تشارك نخب المعارضة في تجييشه.. ولكن ضدّ من ؟ بالتأكيد لم يكن الصراع موجّها ضد أيّ ركيزة من ركائز السلطة، بل انصبّ غضب "الثوّار الجدد" على طواحين الهواء التي أطلقوا عليها لقب الصفويّين وفي مناسبات أخرى "خطر المدّ الشيعي".

لا أذكر وجود مشكلة طائفيّة برزت إلى سطح المشهد الأردني في أيّ وقت مضى قبل هذه الأيّام الغريبة، حيث يعمل كلّ من "السحيجة" وبعض أطراف "المعارضة" على قدم وساق لخلق عدوّ وهميّ ما أنزل به الواقع الأردنيّ من سلطان..

"الرفاق" مازالوا يعيشون في نطاق أسوار محطّة سياسيّة أكل الزمن عليها وشرب، فشكّلوا وقود هذا التجييش الذي بدأ منذ اعتداء بعض ممثلي أقصى تيّارات اليمين السياسي على مجمّع البهرة السياحي، واليوم يتمّ استثمار الاعتداء على مواطنين أردنيّين بطريقة تذكّرنا بذلك النفخ في أتون الطائفيّة قبيل غزو العراق، ولكن المفارقة الغريبة تكمن في عدم وجود هذا "الآخر" الشيعي على الأرض الأردنيّة.. ليتحوّل التجييش نتيجة ذلك إلى استهداف الجالية العراقيّة في الأردن.. فمع الأسف شبع البعض من التجييش الأعمى ضد اللاجئين السوريّين وبدأ بالالتفات لأشقّائنا العراقيّين !!

نظريّة المؤامرة لا تحظى بالأولويّة لطرحها الآن، وليس المقصود في هذه المحطّة تسليط الضوء على الأسباب والدوافع الكامنة وراء تلك الحالة الغريبة التي بدأت تهيمن على المشهد.. ولكن ما يحرّض على البوح هو المستوى التي وصلت إليه "الطليعة" في خطابها النظري، وذلك الانتقال العجيب من خطاب الفكر القومي إلى خطاب المذهبيّة والطائفيّة، وهو خطاب لا يختلف في جوهره عن خطاب تقديس الأشخاص ومنحهم الحقّ المطلق في إبادة الشعب، من أجل التصدّي "للمؤامرة" -التي تستهدف الشعب دون أن تستهدف أيّ شيء آخر- فذلك الخطاب الذي ذهب إليه الطرف الآخر من ذات المدرسة الفكريّة المنشقّة على ذاتها منذ عقود، والذي لحق بركبه كافّة أدعياء الفكر القومي والخطاب اليساري على حدّ سواء، استند إلى ذات الأساس الذي استند إليه فرقائهم في مدرسة الكلاسيكيّات، ذلك الأساس الذي يمكن اختزاله بعبارة تقديس الحاكم المطلق، والذي من أجله تثار النعرات الطائفيّة والمذهبيّة والعنصريّة، ويجد القتل مبرّراته على حبال السيرك السياسي، في سلوك القطيع البشري، الذي يحاول طرح نفسه على أنّه طليعة الشعب في معركة التغيير الوطني الديمقراطي !!

ترى هل هذه هي المنهجيّة التي تحدّد طريقة ونمط تفكير القوى المنخرطة في الحراك ؟ وما هو الفرق بين هذه القوى –سواء فيما يتعلّق بالنظريّة أو الممارسة- وبين النظام الذي تدّعي محاربته ؟!

لقد نجحت السلطة –مع الأسف- في هذه المحطّة بتعرية كثير من القوى المتحجّرة.. ولا سبيل أمام القوى الشبابيّة الناشئة سوى الانسلاخ تماما عن ذلك المنطق السطحي أحاديّ الجانب الذي حدّد طريقة تفكير القيادات الكلاسيكيّة وسلوكها، فحتّى الأطر الشبابيّة المحيطة بتلك القيادات بدأت تشيخ نتيجة "الأدلجة" الرعناء التي تمارسها "رموز" العمل السياسي، وعلى القوى الناشئة بذل المزيد من الجهود لتجسيد البديل الحقيقي واستقطاب الحالات الشبابيّة التي لم تدخل بعد في مرحلة التحجّر الفكري، فالمرحلة لا تحتمل المزيد من الأصنام البشريّة.

أمّا انجرار البعض الى محاربة طواحين الهواء (كخرافة المدّ الشيعي أو كذبة عبدة الشيطان) فهو كفيل -في حال عدم بلورة الإطار الشبابي المدرك لحقيقة الصراع وطبيعة المرحلة- ليس بتصفية الحراك فحسب، بل وبتحويله إلى أكثر الأدوات أهميّة في دعم ركائز سلطة الفساد والاستبداد.

تابعو الأردن 24 على google news